أشاد أطباء نفسيون بجهود ومبادرات الدولة الرائدة للارتقاء بالصحة النفسية مؤكدين وجود تأمين للأمراض النفسية والعصبية غير أنه عندما تقدم بعض الشركات والمؤسسات على تأمين موظفيها صحياً تطلب من شركات التأمين حذف الأمراض النفسية، مرجعين السبب في هذا الأمر إلى قلة الوعي بأهمية التوازن النفسي للموظف في تأدية عمله وتحسن إنتاجيته.
وكان مجلس الوزراء قد كلف وزارة الصحة ووقاية المجتمع، وبالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة، بالبدء في تنفيذ توصيات المجلس الوطني الاتحادي في شأن موضوع «سياسة وزارة الصحة ووقاية المجتمع في شأن تعزيز الصحة النفسية في الدولة» وتضمن القرار إنشاء قاعدة بيانات مركزية موحدة على مستوى الدولة تبين معدلات انتشار الاضطرابات النفسية وتصنيفها، وتفعيل دور المعهد الوطني للتخصصات الصحية والمنشأ بقرار مجلس الوزراء رقم 28 لسنة 2014 بممارسة اختصاصاته لرفع المستوى العلمي والمعنوي للأطباء وكوادر المهن الصحية.
وأشار أطباء علم نفس إلى ضرورة وجود جلسات علاج نفسي على الأقل ضمن باقات التأمين الصحي، وكذلك توفير التغطية اللازمة للفحوصات والعلاجات والأدوية المتعلقة بالأمراض النفسية.
جودة العمل
أكد الدكتور عادل أحمد الكراني، استشاري الطب النفسي، ضرورة تضمين الأمراض النفسية في التأمين الصحي للموظفين وفقاً لأحدث الدراسات العالمية التي تؤكد تأثير نفسية الإنسان على الإنتاجية في العمل، وعلى جودة العمل المقدم واستمراريته بنفس الحماس.
وأشار الدكتور الكراني إلى أنه يوجد بالفعل تأمين للأمراض النفسية والعصبية، إلا أنه عندما تقدم الشركات والمؤسسات على تأمين موظفيها صحياً تطلب من شركات التأمين حذف الأمراض النفسية، باستثناء بعض الجهات الحكومية في الدولة، مرجعاً السبب في هذا الأمر إلى قلة الوعي بأهمية التوازن النفسي للموظف في تأدية عمله وتحسن إنتاجيته.
ولفت إلى ضرورة تضمين جلسات العلاج النفسي ضمن باقات التأمين الصحي، مؤكداً أن صحة الإنسان الجسدية مرتبطة بصحته النفسية، وأن غياب الموظف عن عمله أو تكاسله في أداء مهام وظيفته قد تكون أسبابه نفسية من الأساس.
من جهتها، أفادت الدكتورة ندى البشير، استشارية الطب النفسي، بأن إضافة الأمراض النفسية إلى التأمين الصحي ذات أهمية كبيرة، وضرورة ملحة، حيث تعتبر الأمراض النفسية من الأمراض الشائعة، والتي تؤثر بشكل كبير على الإنسان وحياته اليومية، وقد تتسبب في تدهور الصحة العامة والحالة النفسية للفرد، وتؤثر على العمل والعلاقات الاجتماعية والجودة العامة للحياة.
تأثيرات متنوعة
وذكرت البشير أن الأمراض النفسية تتضمن مجموعة واسعة من الحالات مثل الاكتئاب، واضطرابات القلق، التي تشمل مجموعة مثل اضطراب القلق المعمم، اضطراب الفزع والهلع، اضطراب ما بعد الصدمة، الرهاب الاجتماعي، الاضطرابات النفس جسمانية، اضطراب الوسواس القهري، بالإضافة إلى اضطرابات الطعام، واضطرابات النوم، الاضطراب ثنائي القطب، الذهان، التوتر النفسي والعصبي، الإدمان، واضطرابات الشخصية وأمراض نفسية أخرى، قد تكون لهذه الأمراض تأثيرات جسدية وعقلية واجتماعية.
ولفتت إلى ضرورة توفير التغطية اللازمة للفحوصات والعلاجات والأدوية المتعلقة بالأمراض النفسية، منوهة إلى أن إضافة الأمراض النفسية تحت مظلة التأمين الصحي ستسهم في زيادة الوعي والتفهم حول قضايا الصحة النفسية وتقليل الوصمة والتمييز المرتبط بتلك الاضطرابات، وتعزز المساواة والعدالة في توفير الرعاية الصحية الشاملة، حيث يعاني العديد من الأشخاص من الاضطهاد والحرمان، بسبب الأمراض النفسية، وتحسين الوصول إلى العلاج يكون ضرورياً لمعالجة الاضطراب النفسي سواء كان دوائياً أو نفسياً أو سلوكياً، ومع وجود التأمين يصبح لدى الأفراد وسيلة للتوصل إلى رعاية صحية شاملة دون تكبد أعباء مالية كبرى.
وأردفت: إن إضافة الأمراض النفسية إلى التأمين تعزز المساواة والعدالة في توفير الرعاية الصحية الشاملة، وتقدم الدعم اللازم للأفراد، الذين يعانون منها، كما تعمل على إزالة العقبات المالية والاجتماعية التي قد تواجهها هذه الفئة، وتساعد في تحسين نوعية حياتهم النفسية.
سنوات ضائعة
بدورها، أوضحت الدكتورة أمل عطوة إبراهيم، استشارية الطب النفسي، أنه بحلول العام 2030 سيكون بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، سبباً في السنوات الضائعة من عمر الإنسان، إما عن طريق السنوات التي يقضيها الإنسان عاجزاً بسبب الاكتئاب، أو بسبب الموت المبكر، مؤكدة أن المعاناة النفسية والمرض النفسي لا يؤثران على الفرد فقط، بل على المجتمع ككل.
وأشارت عطوة إلى أن من الواجب الإنساني والمجتمعي أن يسهل الوصول للعلاج النفسي، وجعله من أولويات الرعاية الصحية، وتأمين العلاج النفسي، سواء الدوائي، أو عن طريق الجلسات النفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي، ويجب أن تكون في متناول الجميع.
وأوضحت أهمية إدراج العلاج النفسي في برامج التأمين الصحي، سواء الدوائي أو الكلامي أو الاختبارات النفسية (مثل اختبارات الذكاء، اختبارات الصعوبات الدراسية، اختبارات طيف التوحد أو اختبارات اضطرابات الشخصية)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر سيكون له فائدة كبيرة ومباشرة للفرد والمجتمع.
توصيات
من ناحية أخرى، تبنى المجلس الوطني الاتحادي سابقاً توصيات حول موضوع «سياسة وزارة الصحة ووقاية المجتمع في شأن تعزيز الصحة النفسية لدولة الإمارات»، شملت إنشاء قاعـدة بيانات مركزية موحدة تبين معدلات انتشار الاضطرابات النفسية وتصنيفها، والكوادر المتخصصة، والتوسـع فـي طرح البرامج الأكاديمية التخصصية المتعلقة بالصـحة النفسية، إضافة إلى إدراج تخصـص الطـب النفسـي فـي منـاهج كليـات الطـب، وتعديل الرواتـب والامتيازات الوظيفيـة وفـرص التقـدم الـوظيفي للمهنيين والعاملين فـي مجـال الصحة النفسية، وإدراج خدمات الصحة النفسية والأدوية الأساسية اللازمة للعلاج النفسي في نظام التأمين الصحي.
وتضمنت التوصيات استحداث وتطوير مراكز وأقسام الصحة النفسية، وتوزيعها بشكل متوازن في جميع مناطق الدولة، وتخصيص ميزانية للأبحاث في مجال الصحة النفسية، ووضع خطط وبرامج توعوية وتدريبية وتأهيلية فاعلة لتقليل تأثير الوصمة الاجتماعية، وإعـداد مبادرات وبرامج لتعزيز الوقايـة مـن الاضطرابات النفسية في ما يتعلق بتنميـة المهـارات الحياتيـة، ومكافحـة التنمّـر والعنـف، والتوعيـة بمخاطر تعاطي المـواد المخدرة، والتدخل المبكر للأطفال الذين تظهر عليهم اضطرابات نفسية أو سلوكية، وغيرها.