القدس المحتلة- أعلن القائمون على ما يُسمى مشروع “محطة تنقية أتربة جبل الهيكل”، الذي بدأته جمعية “العاد” الاستيطانية وواصلته جهات إسرائيلية عديدة بينها طلبة وباحثون، توقف أنشطته خلال أسابيع، منهيا بذلك عقدين من العبث بتراب المسجد الأقصى، بمدينة القدس المحتلة، ما أثار تساؤلات عن سبب وقف المشروع.
وحظى المشروع منذ انطلاقه قبل نحو 20 عاما، بدعم سخي على شكل تبرعات تراجعت مؤخرا بنسبة 70%، إضافة إلى الدعم الحكومي.
وشارك في المشروع -وفق إعلام عبري- أكثر من 260 ألف يهودي من جميع أنحاء العالم، وقام هؤلاء بغربلة وتنخيل الأتربة التي نتجت عن ترميم المصلى المرواني والأقصى القديم في تسعينيات القرن الماضي، ثم فصل قطع الفخار وبلاط الأسطح وبلاط الرخام عن بعضها والبحث بينها عن آثار تعود للهيكل المزعوم.
“فاقد للمصداقية”
تحدثت الجزيرة نت للباحث في الآثار والمقدسات الإسلامية في فلسطين عبد الرازق متاني، حول المشروع وأهدافه وسبب توقفه، فأوضح بداية أن الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في القدس والأقصى “تفتقد للمصداقية لأن أذرعها سواء كانت جمعيات أو سلطة آثار هي مؤسسات غير محايدة”.
وبالتالي -يضيف متاني- تسعى هذه الجهات من خلال الحفريات والتنقيب لفرض الرواية اليهودية، مضيفا أنه “في الحقل الأثري في القدس وفلسطين كثيرا ما نكتشف تزييفا أثريا متقنا، عبر زراعة قطع أثرية في مواقع أثرية على يد مختصين مهنيين وأساتذة آثار حاولوا من خلالها إثبات الوجود التاريخي اليهودي”.
وحول ما تم القيام به من أنشطة في محطة تنقية أتربة المسجد الأقصى على مدار 20 عاما، يؤكد الباحث متاني أنه “لا بد من الالتفات لأمرين: الأول هل وجدت آثار؟ وهنا نضع الأمر في خانة الشك؛ لأن ما تم القيام به فاقد للمصداقية، ووجدنا شهادات لزرع قطع أثرية في كثير من الأماكن وهي مزيفة”.
الأمر الثاني، يقول متاني، هو إيجاد التبريرات لهذه القطع بمعنى أنه في حال العثور على قطعة من الفترة الرومانية يتم إعطاء تفسيرات بأنها تعود للتاريخ اليهودي، وذلك لأن اليهود يدّعون أن البابليين دمروا “الهيكل الأول” عام 586 قبل الميلاد، وأن الرومان دمروا “الهيكل الثاني” عام 70 للميلاد.
فرض الوقائع
وأكد متاني أن علم الآثار “هو علم حي يسعى الساسة من خلاله لتأكيد الهوية وزرعها في العقول، وإخراجها على أرض الواقع من خلال مأسسة العمل والاستفادة من كل الإمكانيات وتفعيل الحواس لربط الإنسان في القدس”.
ومن أحد أبرز الأسباب -التي يرى الباحث الفلسطيني أهمية في التطرق لها بخصوص الإعلان عن توقف هذا المشروع- هو أنه باتت للحكومة الإسرائيلية أولويات في التمويل في ظل الحرب الحالية المكلفة، فتم تجميد هذا المشروع لصالح المضي قدما في مشاريع تهويدية أكثر أهمية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن إسرائيل لا تجد اليوم حاجة للعمل في إطار موضوعي فهي بعد اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 أزالت الأقنعة، وانتقلت من مرحلة الترويج لعملية غربلة الأتربة بشكل يبدو مهنيا إلى مرحلة فرض الأمر الواقع، وفق الباحث في تاريخ فلسطين.
ويتساءل متاني: ما الحاجة لإعطاء العمل طابعا علميا ما دام بالإمكان فرض الرواية بالقوة؟ ويضيف “تحت هذه القاعدة باتت تعمل المؤسسات الحكومية، وهذا ما يفسر إعطاء المساحة لسلطة الآثار الإسرائيلية بالعمل في الضفة الغربية رغم أن القانون الدولي يعتبرها أراضي محتلة.
ويشير هنا إلى مشروع قانون لضم الآثار في الضفة الغربية لصلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية، أقر بالقراءة التمهيدية في الكنيست الإسرائيلي في يوليو/تموز الماضي.
دعوة للتحرك
وحول المطلوب لمجابهة كل ذلك قال الباحث الفلسطيني إنه “لا بد من حراك جاد لوقف كل هذه الانتهاكات خاصة أن القانون الدولي يرفض كل الأعمال والتغييرات التي تحدثها إسرائيل في القدس التي يجب أن تخضع للقانون الدولي”.
وتابع أن هذه المحطة التهويدية ستغلق أبوابها لكن لا بد من الالتفات إلى أن الحفريات أسفل وفي محيط المسجد الأقصى لا تزال مستمرة منذ عام 1967 حتى يومنا هذا.
وأشار إلى حفريات تجري اليوم في منطقة القصور الأموية جنوبي الأقصى، وأخرى في منطقة الجدار الغربي للمسجد و”تعد أخطر الحفريات، لأنه لا أحد يمكنه الاطلاع عليها، ووتيرتها تتصاعد لتهويد الحيز المكاني بالمدينة المقدسة”.