سلّطت تقارير حديثة الضوء على زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل، بالتزامن مع موقف برلين المتزايد التدقيق بشأن الوضع الإنساني في غزة. يأتي هذا التوجه وسط انتقادات دولية واسعة النطاق بسبب استمرار الصراع وتدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين، وبالرغم من دعوات متكررة لوقف إطلاق النار. وزادت هذه القضية حدة الجدل، خاصةً بعد زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى إسرائيل في وقت سابق من هذا الأسبوع.
تعتبر ألمانيا ثاني أكبر مورّد للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة، وتمثل شريكًا تجاريًا هامًا لها. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن ما يقرب من 30% من واردات الأسلحة الإسرائيلية تأتي من ألمانيا، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في دعم القدرات العسكرية الإسرائيلية. وتأتي هذه التوريدات في وقت تشتد فيه الحاجة إلى إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية للصراع الدائر.
مبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل: نظرة تفصيلية
شهدت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2023، حيث بلغت قيمتها 326.5 مليون يورو، مقارنة بـ 32.3 مليون يورو في عام 2022. ويشمل ذلك مجموعة واسعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي، والطرادات، والغواصات، والذخائر الصغيرة.
الأسلحة الرئيسية المصدرة
تتركز الصادرات الألمانية في المقام الأول على المعدات البحرية، مثل طرادات “ساعر 6” التي أثارت جدلاً واسعًا بسبب استخدامها في العمليات العسكرية في غزة. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الغواصات الألمانية الصنع من طراز “دولفين”، التي تعتبر جزءًا أساسيًا من أسطولها البحري. وتشمل الصادرات أيضًا صواريخ وقاذفات صواريخ مختلفة، ومكونات أساسية للدبابات والمدرعات.
صفقة “آرو 3”
في ديسمبر الماضي، كشفت بلومبيرغ عن اتفاق بين إسرائيل وألمانيا لتزويد الأخيرة بمنظومة الدفاع الصاروخي الباليستي بعيدة المدى “آرو 3”. تعتبر هذه الصفقة، التي تقدر قيمتها بأكثر من 3.6 مليارات يورو، من أكبر صفقات التصدير الدفاعي في تاريخ إسرائيل وتمثل نقلة نوعية في القدرات الدفاعية الألمانية، خاصةً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وإعادة تقييم برلين لاستراتيجياتها الدفاعية.
لماذا استأنفت ألمانيا صادرات الأسلحة؟
في أغسطس الماضي، علّق المستشار الألماني السابق، أولاف شولتس، إصدار تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بسبب تدهور الوضع الإنساني في غزة. ومع ذلك، في نوفمبر، ألغت ألمانيا هذا التعليق، مشيرةً إلى أن الوضع في غزة أصبح “مستقرًا” بعد الهدنة المؤقتة. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا القرار يعكس الضغوط السياسية الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى التزام ألمانيا الراسخ بأمن إسرائيل.
يعود دعم ألمانيا لإسرائيل إلى جذور تاريخية عميقة مرتبطة بمسؤولية برلين عن جرائم المحرقة النازية. ومنذ ذلك الحين، سعت ألمانيا إلى تعزيز علاقاتها مع إسرائيل وتلبية احتياجاتها الأمنية كجزء من التزاماتها الأخلاقية والسياسية. يضاف إلى ذلك، التعاون الوثيق بين البلدين في مجالات التكنولوجيا والأمن، وتبادل المصالح الاستراتيجية.
ردود الفعل الدولية والتحديات المستقبلية
أثار استئناف الصادرات الألمانية للأسلحة إلى إسرائيل انتقادات واسعة النطاق من قبل منظمات حقوق الإنسان والنشطاء المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة. ويرى هؤلاء المنتقدون أن توريد الأسلحة إلى إسرائيل يشجع على استمرار العنف ويساهم في تدهور الأوضاع الإنسانية. كما أثار هذا الأمر تساؤلات حول مدى التزام ألمانيا بالقانون الدولي ومسؤولياتها الإنسانية.
بالتزامن مع ذلك، تواصل ألمانيا دعمها للقضية الفلسطينية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والمالية، وتشجيع الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة. لكن هذه الجهود تبدو غير كافية في ظل استمرار الصراع وتصاعد حدة التوترات في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت ألمانيا مظاهرات واسعة النطاق تأييدًا للفلسطينيين واحتجاجًا على السياسات الإسرائيلية، مما يعكس الانقسام العميق في الرأي العام حول هذه القضية.
ومع استمرار الأزمة في غزة، من المتوقع أن يشهد موقف ألمانيا مزيدًا من التدقيق والضغط الدولي. ستحتاج برلين إلى الموازنة بين التزاماتها التاريخية تجاه إسرائيل وضرورة حماية حقوق الإنسان ودعم الحلول السلمية للصراع. ومن الشأن أن تُظهر الأشهر القادمة ما إذا كانت ألمانيا ستعيد النظر في سياستها المتعلقة بـمبيعات الأسلحة وإيجاد مسار جديد يعكس قيمها ومبادئها. يتوقع مراقبون تحديثات بشأن تنفيذ صفقة “آرو 3” وإمكانية التوصل إلى هدنة دائمة في غزة.













