تُعد الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة (ENTSO-E) أحد أبرز الإنجازات التكاملية في قلب المشروع الأوروبي، حيث تمثل نموذجًا للبنية التحتية الحيوية التي تتجاوز الحدود الوطنية التقليدية.
هذه المنظومة التي تربط أكثر من 35 دولة عبر شبكة كهربائية متزامنة، تخدم أكثر من نصف مليار شخص، وبطاقة إجمالية تتجاوز 1,100 غيغاوات، ليست مجرد شبكة تقنية لنقل الطاقة، بل رمزًا للوحدة الاقتصادية والاستراتيجية لأوروبا.
طبيعة الشبكة المشتركة ودلالاتها
وتأسست ENTSO-E رسميًا عام 2009 بهدف تحقيق رؤية أوروبية موحدة في قطاع الطاقة. تعمل الشبكة على مبدأ التشغيل المشترك وتزامن التردد الكهربائي عند 50 هرتز، مع ضمان حرية تدفق الطاقة عبر الحدود الوطنية. وبالإضافة إلى دورها التقني، تحمل الشبكة بعدًا سياسيًا واضحًا، إذ تعد الطاقة في أوروبا أداة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فضلًا عن تعزيز سياسات التحول نحو الطاقة المتجددة وتقليل التبعية الخارجية.
تاريخيًا، اعتمدت دول البلطيق وأوكرانيا ومولدوفا على الشبكة الكهربائية الروسية (IPS/UPS)، التي كانت تعكس الوحدة السياسية للاتحاد السوفيتي السابق. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. دفع هذا التغير الجيوسياسي أوكرانيا ومولدوفا إلى تسريع خطط الانفصال عن الشبكة الروسية والانضمام إلى الشبكة الأوروبية في عملية استثنائية وغير مسبوقة من حيث السرعة والحجم.
بدورها، سارعت دول البلطيق، التي بدأت التخطيط لمزامنة شبكاتها مع الشبكة الأوروبية منذ عام 2018، إلى تسريع الجدول الزمني لاستكمال الانتقال الكامل ضمن مشروع “مزامنة البلطيق”، الذي يهدف إلى تحقيق استقلالية مرتبطة بالطاقة الكاملة عن روسيا.
الأبعاد التقنية والسياسية للانفصال
تمثل عملية انفصال هذه الدول عن الشبكة الروسية خطوة استراتيجية نحو تحرير قرارها السيادي في مجال الطاقة. إذ ترى هذه الدول أن موسكو استخدمت الطاقة كأداة نفوذ سياسي لعقود، وبالتالي فإن فك الارتباط بالشبكة الروسية يعزز سيادتها الوطنية ويقطع ورقة ضغط رئيسية كانت بيد الكرملين.
من الناحية التقنية، لم يكن الانتقال سهلًا. تطلب الأمر استثمارات ضخمة لتحديث محطات النقل والتحويل وتحسين استقرار الشبكات الداخلية. كما كان لا بد من الالتزام الفوري بمعايير الشبكة الأوروبية الصارمة لضمان التشغيل السلس. ومع ذلك، فإن هذا التحدي التقني أثمر في نهاية المطاف عن تحقيق استقلال كامل عن البنية التحتية الروسية.
أهمية الشبكة في السياق الأوروبي الحالي
على المستوى الجيوسياسي، يعكس الانضمام إلى الشبكة الأوروبية انحيازًا واضحًا نحو المشروع الأوروبي الأوسع. إنه ليس مجرد ارتباط طاقي، بل إعلان ضمني عن الانفصال النهائي عن المدار الروسي والانتماء الكامل إلى المنظومة الغربية. هذا الانتقال يحمل في طياته فرصًا اقتصادية كبيرة، بما في ذلك توسيع سوق الطاقة الموحدة وتعزيز التعاون في مشاريع الطاقة المتجددة وإزالة الكربون.
في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، لم تعد الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة تُنظر إليها فقط كبنية تحتية تقنية، بل أصبحت رمزًا للسيادة وهوية القارة. بالنسبة للدول التي انضمت حديثًا مثل أوكرانيا ودول البلطيق، يمثل هذا الانتقال معركة استقلال طاقي وسيادة وطنية، تعكس تحولات عميقة في النظام الإقليمي والدولي.
انتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي خلال 2024
وأظهرت البيانات الحديثة أن مصادر الطاقة المتجددة شكلت نسبة 46.9% من إجمالي الكهرباء الصافية المنتجة في دول الاتحاد الأوروبي خلال عام 2024. وتتصدر الدنمارك قائمة الدول من حيث الاعتماد على الطاقة المتجددة، حيث بلغت حصتها 88.4% من إجمالي الكهرباء المنتجة، والتي تعتمد بشكل أساسي على طاقة الرياح.
تأتي البرتغال في المرتبة الثانية بنسبة 87.5%، معتمدة بشكل رئيسي على طاقة الرياح والطاقة المائية، تليها كرواتيا بحصة بلغت 73.7%، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على الطاقة المائية. وعلى النقيض، سجلت لوكسمبورغ أدنى نسبة اعتماد على الطاقة المتجددة بـ5.1% فقط، تلتها مالطا بنسبة 15.1% وجمهورية التشيك بنسبة 15.9%.
وبحسب التفاصيل، استحوذت طاقة الرياح والطاقة المائية على أكثر من ثلثي إجمالي الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة، حيث شكلت طاقة الرياح نسبة 39.1% والطاقة المائية 29.9%. أما الطاقة الشمسية فكانت نسبتها 22.4%، بينما جاء الوقود القابل للاحتراق بنسبة 8.1%، وسجلت الطاقة الحرارية الأرضية أقل من 0.5% من الإجمالي.