أصدرت محكمة روسية أحكاما بالسجن غيابيا بحق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بالإضافة إلى قضاة وموظفين آخرين في المحكمة. يأتي هذا الإجراء في خضم تصاعد التوترات بين روسيا والمحكمة الجنائية الدولية، خاصةً بعد اتهامات موجهة ضد مسؤولين روس بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وتعتبر هذه الأحكام بمثابة تصعيد كبير في المواجهة القانونية والدبلوماسية بين الطرفين، وتثير تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي في مجال العدالة الجنائية.
ووفقًا لمكتب المدعي العام الروسي، فإن الحكم على كريم خان يقضي بسجنه لمدة 15 عامًا غيابيا، منها 9 سنوات في سجن، والباقي في مستعمرة عقابية ذات حراسة مشددة. كما أصدرت المحكمة أحكامًا بالسجن تتراوح بين 3 سنوات ونصف و 15 عامًا بحق ثمانية قضاة آخرين في المحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس السابق بيوتر هوفمانسكي.
اتهام بوتين والمحكمة الجنائية الدولية
تعود جذور هذه القضية إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023، بتهمة ارتكاب جرائم حرب تتعلق بترحيل غير قانوني لأطفال من الأراضي الأوكرانية. وقد أثارت هذه الخطوة غضبًا شديدًا في روسيا، التي تعتبرها تدخلًا في شؤونها الداخلية ومحاولة لتشويه سمعتها.
وردًا على ذلك، فتحت السلطات الروسية قضية جنائية ضد كريم خان والقضاة الآخرين، متهمة إياهم بالتحيز والتسييس في عملهم. وبحسب مكتب المدعي العام الروسي، فإن خان “باشر إجراءات جنائية غير قانونية” ضد مواطنين روس، وأن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر اعتقال “غير قانونية” تستهدف مسؤولين روسًا.
خلفية المذكرات والتصعيد
في يونيو 2024، وسعت المحكمة الجنائية الدولية نطاق تحقيقاتها بإصدار مذكرات توقيف بحق وزير الدفاع الروسي السابق سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة الحالي فاليري غيراسيموف، بتهم مماثلة تتعلق بشن هجمات على أهداف مدنية في أوكرانيا. هذا التوسع في التحقيقات زاد من حدة التوتر بين روسيا والمحكمة، وأدى إلى ردود فعل قوية من جانب المسؤولين الروس.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه كريم خان حاليًا تحقيقًا داخليًا يتعلق باتهامات بارتكاب اعتداءات جنسية، وهي اتهامات ينفيها بشدة. وقد أثارت هذه الاتهامات شكوكًا حول نزاهة تحقيقاته، خاصةً في ظل تزامنها مع استعداداته لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت على خلفية الأحداث في غزة.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، التي ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، فرضت عقوبات على كريم خان بسبب هذه التحقيقات. كما أن إسرائيل، التي لا تعترف بسلطة المحكمة، انتقدت بشدة هذه الإجراءات.
وتشير بعض التقارير إلى أن هذه الإجراءات الروسية قد تكون محاولة لتقويض مصداقية المحكمة الجنائية الدولية وردعها عن مواصلة تحقيقاتها في جرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا. كما أنها قد تهدف إلى إرسال رسالة إلى الدول الأخرى التي تتعاون مع المحكمة، مفادها أن روسيا لن تتسامح مع أي إجراءات تعتبرها تدخلًا في شؤونها الداخلية.
تعتبر القضية المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية والاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الروس جزءًا من سياق أوسع من التوترات الجيوسياسية والصراعات القانونية التي تشهدها المنطقة. وتشمل هذه التوترات الحرب في أوكرانيا، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتحقيقات الجارية في جرائم الحرب المزعومة في سوريا واليمن.
من المتوقع أن تستمر هذه المواجهة القانونية والدبلوماسية بين روسيا والمحكمة الجنائية الدولية في المستقبل القريب. ومن غير الواضح ما إذا كانت المحكمة ستتمكن من إصدار مذكرات توقيف جديدة بحق مسؤولين روس، أو ما إذا كانت روسيا ستتخذ المزيد من الإجراءات الانتقامية. ويجب مراقبة التطورات في هذا الملف عن كثب، حيث أنها قد يكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل العدالة الجنائية الدولية.













