في خضم التوترات المستمرة والتقارير المتضاربة حول تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتزايد التوقعات حول دور الإدارة الأمريكية في دفع المرحلة الثانية من الاتفاق. وتشير تسريبات إلى جهود مكثفة تبذلها واشنطن، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، للضغط على إسرائيل للانتقال إلى هذه المرحلة، التي تركز على إعادة الإعمار ووضع ترتيبات أمنية جديدة. تتضمن هذه الترتيبات الحديث عن قوة دولية، وهو ما يثير جدلاً واسعاً حول طبيعة مهامها وصلاحياتها، مما يضع الاتفاق على مفترق طرق حرج. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة والخطوات العملية التي ستتبع هذا الاتفاق.
وقد نشرت صحيفة يسرائيل هيوم، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن ترامب يمارس ضغوطًا كبيرة على تل أبيب لتسهيل الانتقال إلى المرحلة الثانية. بالتزامن مع ذلك، أفادت قناة 24 نيوز بأن واشنطن تعتزم الكشف عن تشكيلة مجلس السلام بحلول منتصف الشهر الجاري، والذي سيتولى الإشراف المؤقت على إدارة القطاع، وتثبيت الاتفاق، والإشراف على عملية إعادة الإعمار. هذا يأتي في وقت تواصل فيه الأطراف الوسيطة، وعلى رأسها مصر وقطر وتركيا، التأكيد على أهمية الالتزام الكامل بشروط الاتفاق، وخاصة فيما يتعلق بآلية عمل القوة الدولية.
التحديات التي تواجه تنفيذ اتفاق غزة
يمثل تشكيل القوة الدولية أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية السلام. ففي حين تطالب إسرائيل بأن تتولى هذه القوة مهمة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، تشدد حركة حماس والوسيطون على ضرورة أن تكون مهمة القوة حماية المدنيين الفلسطينيين والإشراف على انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع. هذا الاختلاف الجوهري في الرؤى يعكس صعوبة التوصل إلى توافق حول دور القوة الدولية ومسؤولياتها.
علاوة على ذلك، أعربت الدول الإسلامية الثماني المشاركة في رعاية الاتفاق عن قلقها البالغ إزاء التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين الراغبين في مغادرة القطاع. ودعت هذه الدول إلى الالتزام الصارم بجميع بنود الاتفاق، مع التأكيد على أن أي إجراءات أحادية الجانب قد تهدد عملية السلام برمتها. الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، صرح بأن الاتفاق يمر بلحظة حاسمة تتطلب تعاونًا والتزامًا من جميع الأطراف.
تباينات حول المرحلة الثانية
من وجهة نظر الخبراء، فإن الخلافات حول تفسير مصطلح “المرحلة الثانية” تمثل عقبة إضافية. ترى إسرائيل أن هذه المرحلة يجب أن تتضمن نزع سلاح المقاومة بشكل كامل، بينما تركز حماس والوسطاء على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الوضع الإنساني المتردي في القطاع والحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذا التباين في الأولويات يجعل من الصعب تحديد جدول زمني واضح لتنفيذ المرحلة الثانية. وفقاً للكاتب والمحلل السياسي حسام الدجاني، هناك اختلاف كبير في فهم الأطراف لمضمون هذه المرحلة.
ويرى توماس واريك، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، أن تشكيل القوة الدولية هو الحل الوحيد الممكن حالياً لإنقاذ الاتفاق. ويؤكد أن إسرائيل لن تنسحب من غزة قبل التأكد من وجود قوة أجنبية قادرة على الحفاظ على الأمن ومنع تجدد الصراع. لهذا السبب، يقترح ترامب تكليف ضابط أمريكي رفيع المستوى بقيادة هذه القوة، على أن يتم لاحقاً مناقشة تفاصيل عملها مع الدول العربية والإسلامية.
في المقابل، يشدد الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى نزع حق الفلسطينيين في المقاومة، وليس فقط نزع سلاح حماس. ويرى أن الخلاف الدائر حول مهام القوة الدولية يعكس هذا التوجه، حيث تريد الدول العربية أن تكون مهمتها حفظ السلام، بينما تريد إسرائيل أن تكون مهمتها قمع المقاومة.
الوضع الداخلي في إسرائيل يعكس أيضاً حالة من عدم اليقين. فقد تشكلت كتلة برلمانية تعارض بشدة خطة ترامب، ورفضت المشاركة في جلسة الكنيست التي تهدف إلى مناقشة الاتفاق بشكل كامل. هذا يعكس الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي حول مستقبل غزة. يتزايد الخلاف داخل إسرائيل حول كيفية تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، ويضغط على حكومة نتنياهو.
بشكل عام، تواجه عملية السلام في غزة تحديات كبيرة. تظل قضية نزع السلاح هي المفتاح لحل الصراع، ولكن تحقيق ذلك يتطلب التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق أمن إسرائيل.
من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة مزيداً من المشاورات بين الأطراف المعنية، بهدف التغلب على العقبات وتحديد الخطوات العملية اللازمة لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. سيكون من المهم مراقبة ردود فعل حماس وإسرائيل على المقترحات الأمريكية، وكذلك موقف الدول الوسيطة. يبقى المستقبل غير واضح، ولكن من المؤكد أن مصير قطاع غزة مرهون بقدرة الأطراف على التوصل إلى حلول وسط ترضي الجميع.












