اختر منطقتك 
مدير المجلس الثقافي البريطاني: نفتح آفاقًا جديدة للتعليم والثقافة بين السعودية والمملكة المتحدة
حوار
زهير بن جمعة الغزال
الأحساء
في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية 2030، تبرز أهمية الشراكات الدولية في مجالات التعليم، الثقافة، والفنون، كأدوات أساسية لتعزيز النمو وبناء مجتمع متطور يتسم بالمعرفة والانفتاح على العالم.
ومن بين أبرز المؤسسات الدولية التي تسهم بفاعلية في دعم هذه الرؤية، يأتي المجلس الثقافي البريطاني بوصفه حلقة وصل استراتيجية بين السعودية والمملكة المتحدة، ليس فقط في تطوير التعليم العالي، ولكن أيضًا في تمكين الشباب، وتطوير المهارات اللغوية، وإثراء المشهد الثقافي والفني.
لقد لعب المجلس الثقافي البريطاني دورًا حيويًا في فتح قنوات جديدة للتعاون الأكاديمي، خاصة في القطاعات ذات الأولوية مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي، والسياحة، إلى جانب المبادرات الهادفة لتعزيز تعلم اللغة الإنجليزية بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل المتطور.
كما يمتد تأثير المجلس ليشمل دعم المعلمين، وإطلاق برامج تدريبية متقدمة، وبناء منصات للتبادل الأكاديمي والبحث العلمي، فضلاً عن دعمه للفنون والإبداع عبر مشاريع مشتركة مثل برنامج منح العلا للفنون الذي يجمع بين الفنانين البريطانيين والسعوديين في أعمال تعاونية تبرز الهوية الثقافية الغنية للمملكة.
وفي هذا الحوار الخاص، يتحدث السيد ماثيو نوولز، مدير المجلس الثقافي البريطاني في السعودية، عن الاستراتيجيات التي يتبناها المجلس لتعزيز التعاون بين الجامعات، وتطوير قدرات الشباب والمهنيين، إضافة إلى رؤيته لمستقبل الشراكات الثقافية والتعليمية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال السنوات القادمة.
ما الدور الذي يلعبه المجلس الثقافي البريطاني في تعزيز وتسهيل الشراكات بين الجامعات البريطانية ونظيراتها السعودية، خصوصًا في القطاعات ذات الأولوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة؟
يدعم المجلس الثقافي البريطاني الجامعات البريطانية في بناء شراكات استراتيجية مع الجامعات السعودية، بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 في مجالات مثل السياحة، الترفيه، الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي. ويُعد التعليم العابر للحدود من أسرع القطاعات نموًا، حيث تتعاون المؤسسات على تقديم برامج مشتركة، وإنشاء مراكز تعليمية، وتأسيس فروع جامعية جديدة.
ومن أبرز الأمثلة شراكة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن مع جامعة ستراثكلايد لتأسيس أول حضور فعلي لها في المملكة.
تبدأ هذه الشراكات عادةً بزيارات ميدانية في وقت سابق من هذا العام، قاد البروفيسور السير ستيف سميث، الممثل الخاص للتعليم الدولي في المملكة المتحدة لدى السعودية، وفدًا يضم ممثلين عن 15 جامعة بريطانية إلى الرياض عقد الوفد اجتماعات مع قادة التعليم العالي والوزارات المعنية لاستكشاف فرص التعاون، كما أعلن المجلس مؤخرًا عن تمويل أولي لدعم الجامعات البريطانية في تنفيذ مشاريع التعليم العابر للحدود مع شركائها السعوديين، بما يعزز جودة التعليم العالي السعودي.
تفتح هذه الجهود آفاقًا لتأسيس شراكات أكاديمية جديدة، ترتقي بمستوى التعليم العالي في المملكة، وتوفر للطلاب فرصًا أكبر للاستفادة من الخبرات والبرامج التعليمية البريطانية.
ما أبرز أولويات تعلم اللغة الإنجليزية في السعودية حاليًا، وكيف تساهم هذه البرامج في تلبية متطلبات سوق العمل الوطني؟
يمرّ المجلس الثقافي البريطاني في السعودية بمرحلة مليئة بالإنجازات، تناغماً مع رؤية المملكة 2030، نوسّع برامجنا اللغوية لتزويد الشباب والمهنيين السعوديين بمهارات التواصل التي يتطلبها سوق العمل العالمي.
نركّز في برامجنا الموجهة للشباب على تنمية المهارات الأساسية التي تدعم التعليم العالي والتوظيف والفرص الدولية، نوفر دورات تحضيرية لاختبار IELTS، ونعمل على تطوير حلول تقييم وتدريس تعزز برامج اللغة الإنجليزية الجامعية، كما نسعى إلى عقد شراكات مع المدارس لدمج فصولنا ضمن منظومتها التعليمية، بما يرسّخ تعلم اللغة الإنجليزية منذ المراحل المبكرة.
أما للمحترفين، فنقدّم برامج لغة إنجليزية مصممة لاحتياجات الشركات والقطاعات المختلفة مثل التمويل والطاقة والرعاية الصحية والتعليم. خلال العام الماضي، درّبنا أكثر من 250 مهنيًا في برامج عملية تغطي مهارات التواصل في بيئة العمل، من إعداد التقارير الهندسية إلى مهارات التفاوض في قطاع الضيافة، نطوّر هذه البرامج بالتعاون مع المؤسسات لضمان توافقها مع متطلبات أصحاب العمل والمعايير القطاعية.
من خلال دعمنا للطلاب والمهنيين على حد سواء، نرسّخ مكانة المجلس الثقافي البريطاني كشريك موثوق به في إعداد كوادر سعودية ماهرة تجيد اللغة الإنجليزية وتلبي تطلعات المملكة التنموية.
كيف يساهم المجلس الثقافي البريطاني في تطوير قدرات المعلمين في السعودية، وما الجهود المبذولة لدمج تعليم اللغة الإنجليزية مع التدريب على المهارات الرقمية والمهارات الشخصية؟
يعمل المجلس الثقافي البريطاني عن قرب مع وزارة التعليم لدعم إعداد معلمي اللغة الإنجليزية وتأهيلهم لمواكبة احتياجات المستقبل، وتأتي هذه الجهود في ظل توجه المملكة لتأهيل معلمي اللغة الإنجليزية في جميع المراحل الدراسية.
وفي هذا الإطار، نظمنا دورة تدريبية متقدمة في الرياض شارك فيها معلمون من مختلف أنحاء المملكة، ونعمل حاليًا على توسيع هذه البرامج، ومع استمرار المملكة في تطوير تعليم اللغة الإنجليزية، يواصل المجلس الثقافي البريطاني دوره كشريك موثوق لدعم تطوير قدرات المعلمين على المستوى الوطني وتوفير فرص التدريب المهني المستمر لهم.
ما الإجراءات التي يتبعها المجلس الثقافي البريطاني لتعزيز التبادل الأكاديمي وحركة الطلاب بين السعودية والمملكة المتحدة؟
نعمل باستمرار على توسيع فرص التبادل الطلابي، مع تزويد وكلاء الجامعات والمستشارين التعليميين بأحدث المعلومات حول الدراسة في المملكة المتحدة، نظمنا خلال العام الماضي زيارات لـ 18 جامعة بريطانية إلى الرياض وجدة، واستقبلنا وفودًا من ست جامعات سعودية في بريطانيا.
أسفرت هذه الزيارات عن إطلاق برامج منح دراسية جديدة، وزمالات بحثية مشتركة، واتفاقيات لتبادل أعضاء هيئة التدريس، مما يعزز التعاون الأكاديمي المستدام ويدعم تبادل الخبرات بين الجانبين.
أعلنا مؤخرًا عن دعوة مفتوحة لتقديم مقترحات بحثية مشتركة في مجالي تغير المناخ والرعاية الصحية، ضمن إطار صندوق الشراكات العلمية الدولية التابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا البريطانية، يتوقع أن يسهم هذا التعاون في مجالات حيوية مثل معالجة المياه، والنمذجة البيئية، والطب الدقيق، وعلوم الجيوماتيكا، بما يدعم أولويات التنمية في المملكة ويعزز الشراكات الأكاديمية بين البلدين.
هل يمكن توضيح المزيد حول الشراكات الثقافية التي يقيمها المجلس الثقافي البريطاني؟ وما هي أبرز الأعمال والمشاريع التي يتم إنتاجها بالتعاون مع الشركاء؟
نتعاون مع المؤسسات الثقافية في السعودية لدعم تطوير المهارات وتعزيز التبادل الإبداعي، ننفذ هذا الشهر برنامج الإرشاد المسرحي بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، يقدّم البرنامج دعمًا متخصصًا لمخرجي المسرح السعوديين الناشئين المشاركين في مسابقة إثراء للمسرحيات القصيرة، من خلال إرشاد يجمع بين الجلسات الافتراضية والتدريب الحضوري بقيادة خبراء مسرحيين من المملكة المتحدة، ويهدف البرنامج إلى تنمية القدرات المحلية، وتحفيز الابتكار الفني، وتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.
أعلنتم مؤخرًا عن إطلاق برنامج منح يركز على محافظة العلا ما الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة، وكيف ستسهم في تعزيز التعاون الإبداعي بين الفنانين والمؤسسات في كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة؟
يمثل برنامج منح العلا للفنون، الذي أُطلق بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، نموذجًا للتعاون الثقافي المستدام بين السعودية والمملكة المتحدة. وبموجب الاتفاقية التنفيذية للبرنامج، يدعم المجلس الثقافي البريطاني القطاع الثقافي البريطاني في مواكبة رؤية الهيئة الملكية لتحويل العلا إلى وجهة فنية عالمية.
اختيرت ثمانية مشاريع رائدة تغطي مجالات الموسيقى والفنون البصرية والتراث والأزياء والمتاحف، وتم تمويلها لتطوير أعمال تعاونية مشتركة. يتيح البرنامج للفنانين البريطانيين والسعوديين العمل مع المجتمع المحلي، بما يسهم في إبراز التراث الثقافي الغني للعلا عالميًا، وتعزيز السياحة الثقافية، وتبادل المعرفة، وتقوية الروابط بين البلدين.
ما أبرز أولويات المجلس الثقافي البريطاني في السعودية خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، وما المجالات التي سيركز عليها لتحقيق تأثير أكبر؟
نعمل حاليًا على استثمار مركزنا التعليمي الجديد في الخبر لاستكشاف إمكانية افتتاح مركز ثانٍ في الرياض، إلى جانب إنشاء فصول دراسية للمجلس الثقافي البريطاني ضمن شبكة أوسع من المدارس، سنواصل أيضًا تطوير خدمات التقييم لدينا، بما في ذلك اختبار IELTS، لدعم الطلاب والمهنيين السعوديين في الوصول إلى فرص التعليم العالمية والتطور المهني.
في قطاع التعليم العالي، نركز على تعميق التعاون البحثي بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، مع الاستمرار في دعم برامج التعليم البريطاني العابر للحدود داخل المملكة.
أما في مجال الفنون والثقافة، فنسعى إلى تعزيز شراكاتنا القائمة مع جهات رائدة مثل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لدعم التعاون الإبداعي والإنتاج المشترك، إضافة إلى تبادل المهارات وتنظيم عروض مهرجانية مستقبلية.
نلتزم في جميع مجالات عملنا بدعم الطموحات الوطنية للمملكة، من خلال تزويد الشباب بالمهارات العالمية المطلوبة، وتعزيز الشراكات المؤسسية، وترسيخ الروابط المستدامة بين الشعبين.
وفي الختام، يؤكد هذا الحوار مع السيد ماثيو نوولز، مدير المجلس الثقافي البريطاني في السعودية، أن دور المجلس لا يقتصر على كونه جهة تعليمية أو ثقافية فقط، بل يتجاوز ذلك ليصبح شريكًا استراتيجيًا في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
فمن خلال بناء جسور التعاون بين الجامعات السعودية والبريطانية، وتطوير برامج التعليم العابر للحدود، ودعم البحث العلمي في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، يرسخ المجلس مكانته كأداة فاعلة لنقل المعرفة والخبرات الدولية.
ومع الخطط المستقبلية الطموحة التي أعلن عنها ماثيو نوولز، بما في ذلك التوسع في المراكز التعليمية داخل المملكة وتطوير برامج التقييم الدولية مثل IELTS، يبدو أن المجلس الثقافي البريطاني ماضٍ بخطى ثابتة نحو دعم الشباب السعودي، وتمكينه من المهارات العالمية المطلوبة، وترسيخ العلاقات الأكاديمية والثقافية المستدامة بين السعودية والمملكة المتحدة.
إن الرسالة الواضحة التي يقدمها هذا الحوار هي أن التعاون بين المملكة والمجلس الثقافي البريطاني يتجاوز البرامج الآنية، ليصبح استثمارًا طويل الأمد في بناء مجتمع معرفي متطور، يجمع بين الأصالة والابتكار، ويفتح أبواب المستقبل أمام الأجيال القادمة.
