ولم تتوقف معاناة الشاب (إسماعيل) عند هذا الحد، بل تفاقمت وزادت حتى بات يشعر بإجهاد في عضلات جسمه ما أضعف حركته ونشاطه، وأصبح يتردد كثيراً على الأطباء الذين أجروا له فحوصات شاملة واتضح أنه يعاني من مشكلة القدم المسطحة (Flat Feet)، التي ظهرت مع قلة نشاطه الرياضي وعدم التقيد بالغذاء الصحي، فزاد وزنه ومع زيادة النشاط الحركي تفاقمت وأجهدت عضلاته بسبب تسطح قدمه.
مرن وقاسٍ ومؤلم
الطبيب المقيم بقسم العظام بمستشفى الثغر بجدة الدكتور صالح بو صالح، قال: «إن القدم المسطحة هي عبارة عن أحد أشكال البنية الفسيولوجية والتشريحية الجسدية، ويتميز بانبساط القدم على الأرض وغياب قوس القدم من الجهة الداخلية وهو موجود بنسبة 20% من البشر، وهو نوعان؛ وراثية منذ الولادة ومكتسبة مرضياً»، موضحاً أن النوع الوراثي يندرج تحت تصنيفين هما: المرن وأعراضه بسيطة وقد تكاد تكون غير محسوسة، ويمكن التعرف عليه بفحص إكلينيكي بسيط عن طريق ثني إبهام القدم أو الوقوف على أطراف الأصابع، وفي حال ظهور القوس يثبت ذلك التشخيص ويمكن تحسينه بتمارين التمدد بإشراف أخصائي العلاج الطبيعي ومقومات القدم بأشراف أخصائي الأطراف، فيما يكون التصنيف الثاني قاسياً وصلباً مؤلماً ذا أعراض ظاهرة، وقد يحتاج لتدخل جراحي لعلاجه، والنوع المكتسب له أسباب عدة مثل ضعف البنية العظمية والتهاب المفاصل المزمن وعدد من الأمراض الاستقلابية والمناعية وعلاجه يتطلب عناية طبية مكثفة.
حذارِ من مفصل «شاركو»
طبيب العظام بو صالح، استبعد اتهام نقص الكالسيوم وعدم رضاعة الطفل أن يكون لهما دور في الإصابة بالقدم المسطحة، موضحاً أن نقص الفيتامينات والمعادن في سن الطفولة، يؤدي لأمراض أشمل مثل الكساح الذي يؤدي بدوره لضعف بنية العظام، وهناك دراسات وأبحاث قائمة لربط هذا النقص بالقدم المسطحة وللتنويه لا يمكن تشخيص الطفل أقل من أربع سنوات؛ نظراً لثخانة بطانة القدم وعدم وضوح معالم القدم.
وحول عوامل الخطورة لهذا المرض، قال طبيب العظام بو صالح: إن النوع الوراثي هو الغالب، ولا يشكل خطورة، لكن النوع المرضي المكتسب له عدة أسباب مثل ضعف البنية العظمية والتهابات المفاصل الروماتيزمية المزمن وعدد من الامراض الاستقلابية مثل داء السكري واعتلال الأعصاب، مرجعاً أن الإصابة بداء السكري تؤدي إلى اعتلال الاعصاب المحيطة بالقدم، مما يؤدي إلى التهابات مزمنة بالمفاصل غير محسوسة، ويؤدي إلى تدمير بنية القدم وتشوهها بما يعرف (بمفصل شاركو) الذي يعد إحدى الصور المكتسبة من داء القدم المسطحة.
إطالة وتر العرقوب
أخصائي جراحة العظام والمفاصل بمستوصف سعيد الطبي، الدكتور مهند الديبو يقول: «إنه لا توجد أسباب واضحة للمرض، وقد تكون وراثية أو بسبب عدم نمو أقواس القدم بشكل صحيح أثناء الطفولة، فبعض الأطفال يولدون بأقدام مسطحة تختفي عند السادسة وقد تستمر نحو 1 أو 2 من كل 10 أطفال حتى مرحلة البلوغ».
ويحذر الطبيب الديبو، من التعرُّض لإصابات القدم أو الكاحل، أو أربطة القدم أو التهاب المفصل الروماتويدي، أو داء السكري، حتى لا تتفاقم الحالة، وبالتالي يقل نشاطه ويبدأ في مواجهة صعوبة في المشي أو أثناء الوقوف لفترات طويلة من الزمن، موضحاً وجود بعض العلامات التي تشير للإصابة بهذا المرض؛ منها تعرض الأحذية للتلف، وألم منتظم في القدمين أو الساقين، والتعثر أو السقوط في كثير من الأحيان، خصوصاً عند الأطفال. مشيراً إلى أن اللجوء إلى دعامات قوس القدم (أجهزة تقويمية للعظام)، قد يكون أحد العلاجات لتخفيف الألم، لكنها تقلل الأعراض غالباً، مع أهمية ممارسة تمارين إطالة وتر العرقوب، فيما تأتي الجراحة خياراً عند تفاقم الألم مع ضرورة تجنب ممارسة الأنشطة التي تزيد بشدة من خطورة الحالة المَرَضية؛ مثل القفز والركض، مع أهمية فقدان الوزن لتخفيف الضغط على القدمين.
جروح وزيادة وزن
سألت «عكاظ» الطبيب المقيم بمستشفى الثغر بجدة الدكتور ماجد حلواني؛ الذي أوضح أن القدم المسطحة الشائعة نوعان: قدم مسطحة مرنة، يكون للقدم قوس طبيعي في حالة الراحة لكنه يختفي بمجرد ملامسته للأرض، وقدم مسطحة صلبة وفي هذا النوع يوجد قوس سواءً كان جالساً، أو واقفاً ولديهم قدم مسطحة صلبة، وتنتج عن تسطّح التقوسات الموجودة داخل القدم بسبب إحداث ضغط وعند الوقوف تتجه القدم للخارج وتلامس باطن القدم الأرض، ومع ذلك فالأعراض لا تصيب الجميع ويأتي من أبرزها؛ جرح طفيف، إرهاق للقدم، زيادة الوزن المفاجئ، عدم الراحة في القدم، آلام في الساق أثناء الوقوف أو المشي أو القفز، أو الركض المفرط.
ومن أسباب هذا المرض، الوراثة أو عن إصابة أو حالة صحية؛ منها التهاب المفاصل الروماتويدي، السكتة الدماغية، مرض السكري، الاعتلال العصبي، العظم الزورقي، السمنة، هشاشة العظام، ارتخاء الأربطة في الأمراض الخلقية. وفي الغالب يتأثر به الأطفال إذ تكون لديهم القدم المسطحة حتى بلوغ سن 3 إلى 5 سنوات عندما يتطور قوسهم الطولي بشكل طبيعي، ومن الممكن أن تكون القدم مسطحة لدى البالغين أيضاً.
حذاؤك واسع.. أنت بخير !
ينصح طبيب العظام ماجد حلواني بالعلاج المبكر، وقال: على البالغين ارتداء أحذية واسعة ومريحة مع دعم جيد للقوس، وقد يوصي الطبيب بوضع أجهزة تقويم للعظام أو بحشوة الكعب، وهي عبارة عن قطع مصبوبة من المطاط، أو الجلد، أو المعدن، أو البلاستيك؛ إذ إنها تساعد في موازنة القدم في وضع محايد، أما بالنسبة للأطفال نادراً ما تكون هناك حاجة للعلاج باستخدام الأحذية أو الحشوات التصحيحية؛ إذ إن القوس يتطور عند البلوغ بشكل طبيعي.
وشدد الطبيب المقيم بقسم العظام بمستشفى الثغر بجدة حلواني، على أهمية القيام بتمارين لعضلات الربلة المشدودة للتخفيف من آلام الكعب، ويمكن الدخول في برامج تقوية ومرونة أكثر كثافة، مع أهمية استشارة الطبيب والمعالج الطبيعي للإشراف على التمارين، ومن الممكن اللجوء لبعض مسكنات الألم، أو تدليك القدم المسطحة قليلاً للتخفيف من آلام القدم والساق.
لا تخف من السير
طبيب العظام بو صالح، أوضح أن الأعراض المصاحبة لمرض القدم المسطحة تكون في معظم الحالات المرنة بلا أعراض، باستثناء حالات السمنة المفرطة والأعمال الشاقة التي تتطلب السير والوقوف لفترات طويلة، إذ يظهر انتفاخ باطن القدم من الجهة الداخلية، وانحناء وتر العضلة الضامة والكعب للخارج، وفي بعض الحالات تعاني من إبهام القدم الأروح، ويصاحبها آلام مزمنة بباطن القدم والعضلات المحيطة بالساق والكاحل أثناء المشي وتغيير في طريقة المشي.
وعن شعور البعض بصعوبة في المشي أو الركض البسيط، أوضح الطبيب المقيم بقسم العظام في مستشفى الثغر بجدة بوصالح، أنه ليس بالضرورة أن يكون مصاباً بالقدم المسطحة، وعليه مراجعة طبيب جراحة العظام لاستقصاء الأمراض المسببة، وفي حال تأكد الإصابة من الممكن المتابعة مع طبيب مختص بالقدم والكاحل، لأن أعراض الإصابة بالقدم المسطحة تزداد عند تقدم الإنسان في السن، وبشكل كبير لدى الذين يعانون من السمنة على الأخص، ومن يعاني من إصابات متكررة بالقدم والتهابات كالرياضيين الهواة والمصابين بداء السكري.
وعن تخوف البعض ممن تضطرهم ظروف عملهم للوقوف لفترات طويلة من الزمن أو الضغط على القدم من الإصابة بالقدم المسطحة قال طبيب العظام بو صالح: إنه خوف نفسي، فالإصابة بالقدم المسطحة لا تصيب الاصحاء وتصيب ممن لديهم عوامل للإصابة بها، كضعف البنية العظمية والتعرض للاصابات والالتهابات.