في مشهد غير مألوف، عاد معتقل سابق إلى فرع الأمن السياسي في مدينة الفيحاء بدمشق برفقة عائلته، ليس للتحقيق أو الاعتقال، بل ليروي لهم قصة معاناته خلف جدران هذا المكان الذي شهد فصولا قاسية من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
وفي تفاصيل مروعة، كشف المعتقل السابق عن إجراءات الاعتقال والتحقيق المهينة، حيث يبدأ مسلسل العذاب من الزنزانة رقم 5 التي كان محتجزا فيها.
وأوضح كيف كان السجانون يتعمدون إذلال المعتقلين من خلال إجبارهم على الخروج من باب صغير زحفا، ليستقبلهم الضرب على الوجه فور خروجهم، مع إجبارهم على النظر إلى الأرض والسير في هذه الوضعية المهينة.
وتستمر رحلة العذاب مع ما يُعرف بـ”الطميشات”، وهي عصابات لتغطية العيون، يجبر المعتقل على ارتدائها قبل اقتياده إلى إحدى غرف التحقيق الخمس في الفرع.
وفي غرفة التحقيق، يواجه المعتقل مزيدا من الإذلال، حيث يجبر على الانتظار جاثيا على قدميه، واضعا يديه على رأسه، مغمض العينين لساعات، مع التعرض للضرب عند أي حركة.
ويصل الأمر إلى ذروته خلال جلسات التحقيق، إذ يتعرض المعتقل للضرب المبرح باستخدام خرطوم مياه أخضر، مصحوبا بالسب والشتم المهين، حتى عند الإجابة عن الأسئلة الأولية البسيطة مثل الاسم ومكان السكن، ولتوضيح فظاعة ما كان يحدث، قام المعتقل السابق بإعادة تمثيل طريقة الضرب مع ابنه.
وفي قسم “المنفردات”، وتحديدا المنفردة رقم 14، قضى المراسل عمر الحوراني 40 يوما، واصفا إياها بأنها من أسوأ اللحظات في حياته.
كما كشف عن وجود “غرفة الشبْح” التي كان يتم فيها تعليق السجناء لأيام، حيث لا تزال آثار قيودهم محفورة على الجدران، شاهدة على معاناتهم.
ورغم أن هذه العائلة كان الحظ حليفها بخروج معيلها حيا، فإن عشرات الآلاف من المعتقلين لم يحالفهم الحظ نفسه.
وتشير التقديرات إلى وجود أعداد كبيرة من المختفين قسرا، الذين قضوا في الأفرع الأمنية ومعتقلات النظام، بينما لا يزال أهاليهم يأملون في العثور عليهم أحياء في معتقلات سرية.
ويمثل هذا التقرير شهادة حية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في فروع الأمن السورية، موثقا فصلا مظلما من فصول المعاناة الإنسانية في سوريا المعاصرة.