في التسجيل الصوتي المُسرب، والذي لم تتأكد “يورونيوز” من صحته، يظهر جمال عبد الناصر وهو يتحدث عن موقفه من القضية الفلسطينية قائلاً: “ملناش دخل بالقضية الفلسطينية إحنا عايزين سيناء بس”، موضحًا أنه لا يرغب في المجازفة بسلامة شعبه، ويفضّل اللجوء لحل سلمي شامل للصراع العربي-الإسرائيلي.
وبحسب ما جاء في التسجيل، قال عبد الناصر إن “الحل يجب أن يضمن عودة جميع الأراضي العربية التي احتُلت عام 1967، إضافة إلى معالجة قضية اللاجئين”. كما عبّر عن غضبه تجاه بعض الحكام العرب، متهماً إياهم بالتآمر لإسقاطه، وانتقد من وصفهم بالمزايدين على مصر قائلاً: “إذا كان حد عايز يكافح ما يكافح، إذا كان حد عايز يناضل ما يناضل”.
وسلّط الضوء على المفارقة في مواقف بعض الدول، مشيرًا إلى أن “ميزانية الجيش العراقي لم تتجاوز 70 مليون جنيه رغم الخطابات الحماسية عن تحرير فلسطين”، محذرًا من أن الخطاب الذي يرفع شعار “تحرير فلسطين من البحر إلى النهر” قد يؤدي عمليًا إلى تهويد الضفة الغربية وقطاع غزة خلال سنوات، وفقًا للتسجيل المُسرّب.
مكتبة الإسكندرية تُوضّح
قناة “Nasser TV”، التي تُعرّف نفسها بأنها “القناة الخاصة بتراث الزعيم جمال عبد الناصر” والتابعة للموقع الرسمي للرئيس الراحل بمكتبة الإسكندرية، نشرت التسجيل في 25 نيسان/أبريل 2025.
وادّعت القناة أن الحديث يعود إلى الثالث من آب/أغسطس 1970، أي قبل أيام قليلة من إعلان عبد الناصر موافقته على “مبادرة روجرز”، المبادرة الأمريكية التي نصّت على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر وبدء المفاوضات بين مصر وإسرائيل.
وعلى خلفية انتشار التسجيل، أصدرت مكتبة الإسكندرية بيانًا نفت فيه أي صلة لها بالمقطع الصوتي المتداول. وأكدت أن مسؤوليتها تقتصر على المحتوى المنشور عبر الموقع الرسمي الخاص بتراث جمال عبد الناصر. وأوضحت المكتبة أن الموقع الرسمي هو ثمرة تعاون بدأ عام 2004 بينها وبين “مؤسسة جمال عبد الناصر” برئاسة هدى عبد الناصر، ابنة الرئيس الراحل.
وأشار البيان إلى أن المواد الرقمية المتوفرة على الموقع كانت هدية من المؤسسة إلى المكتبة، التي تولت الجوانب التقنية بهدف الحفاظ على الإرث الثقافي والسياسي لعبد الناصر وإتاحته للأجيال القادمة. وشددت مكتبة الإسكندرية على أنها لا تملك أو تدير أي صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة التزامها بالمعايير الأكاديمية والبحثية في توثيق التاريخ السياسي.
ما رأي “غروك” في التسجيل؟
في سياق التفاعل مع التسريب، قام أحد مستخدمي منصة “إكس” ويدعى عدنان الرئيسي بطرح سؤال على “غروك”، روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي والمملوك لمنصة “إكس”، عن حقيقة التسجيل.
ورد “غروك”، الذي تتمثل مهمته في الإجابة على أسئلة المستخدمين، بأن التسجيل يبدو “أصيلاً”، لكنه أشار إلى أن التحقق المستقل منه محدود. وأوضح أن المقطع يُظهر حوارًا بين عبد الناصر والقذافي يركز على أولويات مصر في استعادة سيناء دون تدخل مباشر في القضية الفلسطينية.
“غروك” أشار أيضًا إلى أن هذا الطرح قد يعكس موقفًا عمليًا خاصًا بعبد الناصر بعد نكسة 1967، رغم مواقفه العلنية المؤيدة لفلسطين. غير أنه شدد على ضرورة التعامل بحذر مع تفسير التسجيل نظراً لغموض السياق الكامل وحساسية الموضوع، خاصة لما قد يشكله من تناقض مع صورة عبد الناصر التاريخية.
انقسام الآراء على مواقع التواصل
أثار هذا التسجيل انقسامًا بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أبدى بعضهم شكوكًا حول ما إذا كان التسجيل يعرض الحديث كاملاً دون اجتزاء.
ومن بين هؤلاء، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي عبد الحكيم معتوق، الذي قال عبر منصة “إكس”: “لدي نسخة كاملة من المحادثة على (نِياقرا)، والفنيون في التلفزيون يعرفون ما أعنيه. قمت بتفريغها، وللأسف نص الحوار ناقص أو تمت منتجته، وهذه ليست دفاعًا عن عبد الناصر أو القذافي، ولكن هذه الحقيقة للتاريخ. عبد الناصر لم يقل هذا الكلام إلا في معرض رده على المزايدين”.
من جهة أخرى، رأى آخرون أن التسجيل صحيح بالكامل، معتبرين أن توقيت تسريبه رسالة ضمنية. وكتب أحدهم: “التسجيل صحيح 100% وليس نتاج ذكاء اصطناعي. توقيت التسريب، سواء بقصد أو بغير قصد، رسالة مفادها أن الشعارات لا تصنع النصر ولا تحمي الأوطان”.
ورغم تباين الآراء حول مدى صحة التسجيل وحقيقة مضمونه وسياقه التاريخي، يظل التعامل معه محكومًا بضرورة التحقق الدقيق والتزام الحذر في تفسير المحتوى، نظراً لحساسية المرحلة التي يُنسب إليها التسجيل، وفي ظل التوترات الإقليمية المتصلة بالقضية الفلسطينية اليوم.