اختر منطقتك 
اعلان
وثقت منظمة العفو الدولية مسؤولية قوات أمنية وعسكرية حكومية وقوات تابعة لها عن ارتكاب 46 عملية إعدام خارج نطاق القضاء بحق أفراد من الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، خلال يومي 15 و16 يوليو/تموز 2025.
وأكدت المنظمة في تقرير لها أن الأدلة التي جمعتها تشمل مقاطع فيديو جرى التحقق منها، وشهادات شهود، وتحليلات رقمية، تُظهر رجالًا مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا وأمنيًا، بعضه يحمل شارات رسمية، وهم يعدمون أشخاصًا عُزَّل في منازل، ومدارس، ومستشفيات، وساحات عامة.
جريمة يشملها القانون الدولي
وقالت ديانا سمعان، الباحثة المعنية بشؤون سوريا في منظمة العفو الدولية: “عندما تقتل القوات الأمنية أو العسكرية الحكومية بصورة متعمدة وغير مشروعة شخصًا ما، أو عندما تفعل ذلك قوات تابعة لها بتواطؤ من الحكومة أو برضاها، يُشكل ذلك عملية إعدام خارج نطاق القضاء، وهي جريمة يشملها القانون الدولي”.
وأضافت: “ينبغي للحكومة السورية أن تجري تحقيقًا مستقلًا، ونزيهًا، وشفافًا على وجه السرعة في عمليات الإعدام هذه، وأن تحاسب مرتكبيها في إجراءات قضائية عادلة بدون اللجوء إلى عقوبة الإعدام”.
وأشارت إلى أن “الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في السويداء ما هي إلا تذكير آخر مرير بالعواقب المميتة للإفلات من العقاب على عمليات القتل الطائفية في سوريا، التي شجعت القوات الحكومية والقوات التابعة لها على القتل بدون خشية المساءلة”.
تصاعد التوتر وتدخل القوات الحكومية
وتصاعد التوتر في جنوب سوريا بين الجماعات الدرزية المسلحة والمقاتلين من العشائر البدوية في 11 و12 يوليو/تموز 2025، ما أدى إلى اشتباكات مسلحة. وفي 15 يوليو/تموز، دخلت القوات الحكومية مدينة السويداء “لفرض الاستقرار”، وفرضت حظر تجوال.
في اليوم نفسه، نفذت إسرائيل غارات جوية على مركبات عسكرية سورية في المنطقة، أسفرت عن مقتل 15 فردًا على الأقل من القوات الحكومية.
وأسهمت التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الحكومية في تجدد القتال مع الجماعات الدرزية المسلحة، ما أدى إلى تصعيد كبير في العنف، انتهى بانسحاب القوات الحكومية من المدينة في مساء 16 يوليو/تموز.
ووثّقت منظمة العفو الدولية إطلاق النار المتعمد على 46 درزيًا وقتلهم (44 رجلًا وامرأتان)، بالإضافة إلى إعدام وهمي لشخصين كبيرين في السن، نُفذت خلال يومي 15 و16 يوليو/تموز. وجرى تنفيذ هذه الإعدامات في ساحة عامة، ومنازل سكنية، ومدرسة، ومستشفى، وقاعة احتفالات في محافظة السويداء.
وأثناء تنفيذ هذه الإعدامات، أطلق رجال مسلحون شعارات طائفية ضد الطائفة الدرزية، وعاملوا رجال الدين بطريقة مذلة، من بينها حلق شواربهم بالقوة، علماً ان الشاربين يتسمان بأهمية ثقافية لدى الدروز.
تحقيقات رقمية وشهادات ميدانية
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 15 شخصًا، منهم 13 في السويداء واثنان يعيشان في الخارج. من بينهم ثمانية فقدوا أفرادًا من عائلاتهم، وشهد أحدهم إعدام أفراد أسرته مباشرة، وشاهد آخر إعدام مجموعة من الأشخاص بأم عينيه. وقام خمسة من المشاركين بزيارة مواقع إعدام منفصلة، حيث رأوا جثث أفراد عائلاتهم وجثث آخرين.
وأفادت إحدى النساء بأن والديها عُرضا لإعدام وهمي، فيما احُتجز شخصان آخران مع عائلتيهما على خلفية تفتيش مسلّح نفّذه رجال يرتدون زيًّا عسكريًا لمنزليهما.”
وتحقق مختبر الأدلة – الفرقة الرقمية المتخصصة في التحقيقات داخل منظمة العفو الدولية – من 22 مقطع فيديو وصورة، نُشرت بين 15 يوليو/تموز و10 أغسطس/آب. وشمل التحليل الرقمي تدقيق المقاطع وتحليل الأسلحة المستخدمة.
كما جمعت المنظمة شهادات من شهود وأفراد عائلات أولئك الذين أُعدموا أو الذين ظهرت جثثهم في مقاطع الفيديو. وراجعت صورًا ومقاطع فيديو التُقطت في السويداء وحولها بين 14 و17 يوليو/تموز 2025، ونُشرت عبر وسائل الإعلام، بهدف تحليل الهويات والانتماءات للجهات المسلحة.
كما تلقت المنظمة تقارير موثوقة حول عمليات اختطاف نُسبت إلى جماعات درزية مسلحة ومقاتلين من العشائر البدوية، وقعت بين 17 و19 يوليو/تموز، وتُجري حاليًا تحقيقًا في هذه الحوادث.
في 12 أغسطس/آب، بعثت منظمة العفو الدولية برسالتين إلى وزيري الداخلية والدفاع السوريين، عرضت عليهما النتائج الأولية، وطلبت معلومات حول سير التحقيق الحكومي، ودور القوات الحكومية، والخطوات المتخذة لمحاسبة الجناة، والتدابير المتخذة قبل القتال وخلاله وبعده لحماية المدنيين. ولم تتلقَ المنظمة أي رد حتى تاريخ نشر التقرير.
ونوهت المنظمة أن جميع عمليات الإعدام الـ46 التي وثّقتها وقعت في مدينة السويداء أو على أطرافها، في 15 و16 يوليو/تموز، بعد دخول القوات الحكومية إلى المدينة وإعلان حظر التجول، وقبل انسحابها.
تصريحات رسمية: “مجموعة غير معروفة”
في 22 يوليو/تموز، قال وزير الدفاع السوري إنه على علم “بانتهاكات صادمة وجسيمة ارتكبتها مجموعة غير معروفة ترتدي الزي العسكري في مدينة السويداء”.
وفي 23 مايو/أيار، أعلن الوزير أن أكبر الجماعات المسلحة السابقة قد أُدمجت في الجيش السوري، وأمهل الجماعات الصغيرة المتبقية 10 أيام كحد أقصى للالتحاق أو مواجهة “رد حازم”.
ووفقًا للأدلة، ارتدى المسلحون المتورطون زيًا عسكريًا بنقوش مموهة أو بلون بيج أو زيت، أو ملابس مدنية مع سترات تكتيكية، أو زيًا أسود سادة يشبه زي قوات الأمن الرسمية، وحمل بعضهم شارات “الأمن العام”.
معظمهم لم يحمل شارات يمكن التعرف عليها، لكن مقاطع فيديو أظهرت رجالًا بدون شارات يرتدون زيًا عسكريًا ويركبون شاحنات تحمل شعار وزارة الداخلية.
كما ظهر رجال بزي متنوع – بعضهم بشارات حكومية واضحة، والبعض الآخر بدون – وهم يعملون معًا قبل عملية إعدام في المستشفى الوطني.
وظهرت شارة سوداء تحمل صيغة الشهادة على بذلات ما لا يقل عن أربعة رجال مسلحين. وترتبط هذه الشارة بتنظيم الدولة الإسلامية، لكن التنظيم لم يُعلن مسؤوليته عن الهجمات في السويداء.
وتم تصوير ثلاثة من هؤلاء المقاتلين، من بينهم مقاتل بزي أسود، وهم يعملون بجانب أفراد من قوات الأمن السورية. كما عُثر على صور من يناير ومايو 2025 تُظهر أفرادًا من الجيش السوري وقوات الأمن وهم يرتدون نفس الشارة.
وقالت ديانا سمعان: “بدلًا من أن يخاف الرجال الذين يرتدون الزي العسكري والأمني من العدالة، صوّروا أنفسهم وهم يعدمون أشخاصًا في السويداء. من الضروري للغاية إجراء تحقيق مستقل ونزيه للتعرف على هوية الجناة، ومحاسبتهم، والتصدي للإفلات من العقاب”.
عمليات الإعدام المصورة
تُظهر مقاطع فيديو تم التحقق منها، رجالًا مسلحين بزي عسكري وهم يعدمون 12 رجلًا على الأقل: أحدهم في مدرسة، وثمانية في ساحة عامة، وثلاثة في شقة سكنية.
في شقة سكنية، أطلق ثمانية مسلحين بزي عسكري النار على ثلاثة رجال من عائلة العرنوس بعد إجبارهم على القفز من الشرفة.
وأفاد قريب للضحايا أن بشار العرنوس، فرد رابع من العائلة، أُعدم في اليوم ذاته. وعُثر على جثته مصابة بثلاث طلقات، على بعد 12 مترًا من جثث أبنائه وابن أخيه. ويقع المبنى على بعد 150 مترًا من مبنى الشرطة العسكرية الذي سيطرت عليه القوات الحكومية.
ووثّقت المنظمة إعدام ثمانية رجال في ساحة تشرين (تُعرف أيضًا بساحة خلدون زين الدين). ويُظهر فيديو صوّره أحد الجناة، ثمانية مدنيين محاطين بـ12 مسلحًا على الأقل بزي عسكري، يُقادون إلى الساحة. ويظهر في مقطعي فيديو آخرين، الرجال راكعين، وأيديهم فوق رؤوسهم، قبل إطلاق النار عليهم لمدة تزيد على 15 ثانية. ويشير تحليل الظلال إلى أن التسجيل تم عند الساعة 7:00 صباحًا. وأكد شاهد عيان رؤيته للعملية بين 6:00 و7:00 صباحًا من 16 يوليو/تموز.
وفي قرية الثعلة، أُعدم رجل درزي عند مدخل مدرسة رسمية بعد أن سأله مسلحون: “مسلم أم درزي؟”، فأجاب بأنه درزي، فتم إطلاق النار عليه. وأفاد ثلاثة سكان أن مسلحين بزي عسكري وزي أسود مع شارات “الأمن العام” دخلوا القرية مزودين بدبابات في 15 يوليو/تموز.
إعدام عامل طبي في المستشفى الوطني
ووثّقت المنظمة إعدام العامل الطبي محمد رفيق البحصاص في المستشفى الوطني على أيدي مسلحين بزي عسكري، بحضور عنصر من الأمن العام.
وتُظهر لقطات كاميرات المراقبة 15 مسلحًا عند مدخل المستشفى في 16 يوليو/تموز. وكان 12 بزي عسكري (اثنان يحملان شارة سوداء)، وثلاثة بزي “الأمن العام”، وثلاثة بملابس مدنية.
في مقطع محدد الوقت والتاريخ عند 3:24 مساءً، دخل سبعة مسلحين إلى قاعة الدخول، وجمعوا 38 شخصًا على الأقل، معظمهم من الكوادر الطبية، ورُغموا على الركوع.
حاول البحصاص الحوار، فسُحب من المجموعة، وضُرب، وطُرح أرضًا. ثم أطلق مسلح بزي عسكري رصاصتين عليه من بندقيته، تلاه آخر أطلق عليه من مسدس. وبعد 27 ثانية، جُرّت جثته بعيدًا.
ترحيب حكومي بتقرير المنظمة
من جهتها رحبت وزارة الداخلية السورية بالتقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية حول الأحداث التي وقعت في السويداء، مؤكدةً حرصها على حماية جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، نور الدين البابا، في تصريح لوكالة الأنباء السورية “سانا”: “ننظر بإيجابية إلى تقرير منظمة العفو الدولية، ونأمل أن يسهم في دعم جهود تعزيز حقوق الإنسان في سوريا. ونُبقي أبواب التعاون مفتوحة أمام أي جهة تمتلك أدلة مادية موثقة يمكن أن تساعد في كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين”.
وأضاف: “ندعو جميع من يمتلكون أدلة موثقة حول انتهاكات في السويداء إلى تقديمها للجنة الوطنية المكلفة بالتحقيق، والتي نعمل معها بشكل مباشر”.
وأكد المتحدث أن وزارة الداخلية “حريصة على حماية جميع السوريين من كل المكونات، وعلى احترام الكرامة وصون حقوق الإنسان وفق القوانين النافذة”.
