نيامي – في قلب النيجر، تكمن كنوز مدفونة تحكي قصصًا عن عصور مضت، حيث تشهد الأحافير المكتشفة في البلاد على حياة ازدهرت قبل ملايين السنين. وعلى الرغم من أهميتها العلمية والثقافية، تواجه هذه الأحافير تحديات كبيرة تتعلق بالحفظ والاستغلال السياحي، والتهريب المتزايد، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا التراث الوطني الفريد.
يعج متحف بوبو هاما الوطني في نيامي بالزوار، خاصة الأطفال، الذين ينجذبون للحيوانات الحية المعروضة فيه. ومع ذلك، يظل معرض الأحافير، الذي يضم نسخًا من ديناصورات مثل “جوباريا” والتمساحات العملاقة، مهملاً إلى حد كبير، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى زيادة الوعي بأهمية هذه الاكتشافات العلمية.
تاريخ النيجر العميق وتحديات الحفاظ على الأحافير
النيجر، التي يغطي جزء كبير منها الصحراء الكبرى، غنية ببقايا الكائنات المنقرضة. وتشير الدراسات إلى أن المنطقة كانت ذات يوم موطنًا لغابات ومسطحات مائية خصبة، مما سمح بتطور أنواع متنوعة من الديناصورات والحيوانات الأخرى. وقد اكتشف الجيولوجيون والعلماء على مر السنين العديد من الأحافير الهامة التي تلقي الضوء على تاريخ الحياة على الأرض.
ومع ذلك، يواجه الحفاظ على هذه الأحافير تحديات جمة. فالعظام الأصلية معرضة للتلف بسبب العوامل الجوية والسرقة، لذلك يتم الاحتفاظ بالعديد منها في غرف تخزين داخل المتاحف أو إرسالها إلى مؤسسات بحثية في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر النيجر إلى البنية التحتية والموارد المالية اللازمة لإجراء عمليات تنقيب واسعة النطاق والحفاظ على الاكتشافات بشكل فعال.
تهريب الآثار والجهود المبذولة لمكافحته
في الآونة الأخيرة، تصاعدت حالات تهريب الأحافير والتحف الأثرية من النيجر، حيث يتم بيعها في الأسواق السوداء بأسعار باهظة. وقد أثار بيع نيزك نادر مصدره منطقة أغاديز الشمالية في مزاد علني بنيويورك في يوليو الماضي، مخاوف بشأن تفاقم هذه الظاهرة.
السلطات الحكومية تحقق حاليًا في كيفية خروج النيزك من البلاد، وتؤكد على أهمية مكافحة التهريب. ومع ذلك، فإن حجم الصحراء الشاسعة وصعوبة الرقابة على الحدود يجعل مهمة منع التهريب أمرًا بالغ الصعوبة. يتطلب الأمر تعزيز التعاون الدولي وتفعيل قوانين حماية التراث الوطني لضمان عدم فقدان النيجر لثرواتها الأثرية.
دور البحث العلمي وتطوير الخبرات المحلية
لعب العلماء الأجانب، وخاصة الفرنسيين، دورًا رئيسيًا في استكشاف الأحافير في النيجر منذ بداية القرن العشرين. وقد قادوا العديد من البعثات التنقيبية واكتشفوا أنواعًا جديدة من الديناصورات والحيوانات المنقرضة.
ومع ذلك، يزداد التركيز على تطوير الخبرات المحلية في مجال علم الآثار والحفريات. ويدعو الخبراء إلى إنشاء برامج تعليمية وتدريبية لتمكين الشباب النيجري من المشاركة في البحث والحفاظ على التراث الأثري. كما أن بناء متاحف ومرافق تخزين حديثة يعتبر أمرًا ضروريًا لحماية الأحافير وعرضها للجمهور.
يقول الدكتور أومارو أمادو إيدي، عالم الآثار الرائد في النيجر “نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على القيام بذلك بأنفسنا، من أجل شعب النيجر. يجب أن يعلموا أننا أيضا لدينا ما نعرضه للعالم، وأن لدينا ما نفخر به”.
مستقبل الأحافير في النيجر
يسعى عالم الحفريات الأمريكي بول سيرينو، من خلال منظمته غير الربحية “تراث النيجر”، إلى تعزيز التعاون مع السلطات المحلية وبناء القدرات المحلية في مجال البحث والحفاظ على الأحافير. وهو يخطط لإعادة أطنان من الأحافير التي تم جمعها خلال بعثات تنقيب سابقة إلى النيجر، وإنشاء متاحف ومرافق تعليمية جديدة.
وتعتمد خطط سيرينو على توفير التمويل والموارد اللازمة، وكذلك على استقرار الأوضاع الأمنية في المنطقة. في الوقت الحالي، لا يزال الوضع السياسي في النيجر غير مستقر بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2023، مما قد يؤثر على تنفيذ هذه المشاريع. يجب مراقبة التطورات السياسية والأمنية في النيجر عن كثب، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لمكافحة تهريب الآثار وتطوير الخبرات المحلية، لتقييم مستقبل هذا التراث الوطني الثمين.













