تواصل الروائية الفلسطينية باسمة التكروري مشروعها الروائي الطموح في استكشاف التاريخ الفلسطيني، وذلك من خلال روايتها الجديدة “الإمام”، والتي تعتمد على تقنيات سردية معقدة وتتداخل فيها الخطابات التاريخية والسياسية والشخصية. تستلهم التكروري من حياة جدها، محمد خليل التكروري، لكنها تؤكد أن الرواية ليست سيرة ذاتية، بل عمل تخييلي يعيد إنتاج الوقائع التاريخية بطريقة فنية.
تعتبر الرواية جزءًا من ثلاثية روائية أعلنت عنها الكاتبة، تهدف إلى تغطية تاريخ فلسطين من عشرينيات القرن الماضي وحتى العصر الحديث. تتميز “الإمام” بأسلوب كتابة مشهدي قوي، يعتمد على تقنيات سينمائية مثل البناء الدائري وتقنية “الفلاش باك”، مما يمنح القارئ تجربة غامرة في الأحداث والشخصيات.
الكتابة المشهدية في رواية “الإمام”
تعتمد باسمة التكروري في “الإمام” على أسلوب كتابة مشهدي واضح منذ البداية، حيث تستخدم تقنيات سينمائية لخلق صور حية في ذهن القارئ. تبدأ الرواية بلحظة وفاة الشيخ علي النابلسي، وتعود بالزمن إلى الوراء لاستكشاف حياته وتجاربه، مما يخلق تأثيرًا دراميًا قويًا.
يظهر تأثير خلفية الكاتبة في التمثيل المسرحي والسينمائي في قدرتها على تحويل الأحداث التاريخية إلى مشاهد بصرية مؤثرة. تستخدم التكروري زوايا رؤية محددة، مثل “كونتر بلونجيه”، لتعزيز الشعور بالدراما والتراجيديا، وتسليط الضوء على التفاوت في القوة بين الشخصيات.
التاريخ والتخييل: مزيج فريد
تتميز الرواية بدمجها المتقن بين التاريخ والتخييل، حيث تلتزم الكاتبة بدقة التواريخ والأحداث التاريخية، مع منح نفسها حرية إبداعية في تطوير الشخصيات والحبكة. يساعد هذا المزيج على جعل الرواية أكثر واقعية وجاذبية للقارئ، مع الحفاظ على عنصر التشويق والإثارة.
تُظهر الرواية اهتمامًا خاصًا بتفاصيل الحياة اليومية في فلسطين خلال تلك الفترة، بما في ذلك الثقافة والمجتمع والسياسة. تستخدم التكروري هذه التفاصيل لخلق عالم روائي غني ومتكامل، يعكس تعقيدات وتناقضات الحياة الفلسطينية.
طوبوغرافيا الرواية وقصة حب تحت الاحتلال
تنتقل أحداث الرواية بين مدن فلسطينية مختلفة، مثل نابلس والقدس وحيفا، بالإضافة إلى القاهرة. تعكس هذه الحركة الطبوغرافية التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها فلسطين خلال تلك الفترة، وتساهم في بناء صورة شاملة عن تاريخ المنطقة.
تتضمن الرواية قصة حب مؤثرة بين الشيخ علي النابلسي وسلوى الدجاني، والتي تمثل رمزًا للأمل والمقاومة في وجه الظروف الصعبة. تُظهر هذه القصة أن الفلسطينيين، على الرغم من معاناتهم، ما زالوا قادرين على الحب والحلم وبناء مستقبل أفضل. تُبرز الرواية أيضًا التحديات التي تواجه العلاقات الإنسانية في ظل الاحتلال والصراع السياسي.
رواية الشخصية الفلسطينية: “الإمام” كجزء من حركة أدبية
تندرج رواية “الإمام” ضمن ما يُعرف بـ “الرواية الفلسطينية الجديدة”، والتي تتميز بتركيزها على أنسنة الشخصيات الفلسطينية وتقديمها كأفراد معقدين ومتعددين الأبعاد. تتجنب هذه الرواية النمطية والتصوير الأحادي للشخصيات، وتسعى إلى استكشاف دوافعها وصراعاتها الداخلية.
تعتمد التكروري على تقنية الشخصية الملتبسة، حيث تجمع بين عناصر من السيرة الذاتية والتاريخ والتخييل في بناء شخصية الشيخ علي النابلسي. يساهم هذا الالتباس في إضفاء المزيد من الغموض والتشويق على الشخصية، ويجعلها أكثر إثارة للاهتمام.
تُعد “الإمام” إضافة مهمة إلى الأدب الفلسطيني، حيث تساهم في ترميم الذاكرة الفلسطينية وتقديم رؤية جديدة للتاريخ الفلسطيني. تتميز الرواية بأسلوبها الأدبي الرفيع وتقنياتها السردية المبتكرة، مما يجعلها عملًا يستحق القراءة والتحليل.
من المتوقع أن تستكمل باسمة التكروري ثلاثيتها الروائية في السنوات القادمة، وستركز الأجزاء القادمة على فترات زمنية مختلفة من التاريخ الفلسطيني. سيكون من المثير للاهتمام متابعة تطور أسلوب الكاتبة ورؤيتها للتاريخ الفلسطيني في أعمالها المستقبلية، وما إذا كانت ستواصل استكشاف قضايا الهوية والذاكرة والمقاومة.













