بعد انهيار نظام بشار الأسد، أعيدت قضية إيلي كوهين إلى الواجهة، ليظل الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ إسرائيل والعالم محورًا للبحث والنقاش.
ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن تل أبيب تحاول الاستفادة من الاضطرابات في سوريا للكشف عن موقع دفن جثة إيلي كوهين، بالإضافة إلى الحصول على مجموعة من لفائف التوراة القديمة وغيرها من الممتلكات.
وكانت الصحيفة نفسها قد نشرت قبل أيام مقالا تحت عنوان “سقوط نظام الأسد يبعث الأمل في العثور على الإسرائيليين المفقودين في سوريا”، نقلت فيه عن نادية كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، التي أبدت تفاؤلها بأن سقوط الأسد قد يؤدي إلى حل قضية اختفاء زوجها، الذي تم إعدامه في دمشق عام 1965.
من جانبها، ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من حزب الله، أن مصادر دبلوماسية أفادت بأن تل أبيب بدأت اتصالات مع جهات خارجية ومع سوريين في محاولة للوصول إلى موقع دفن كوهين.
كما أشارت الصحيفة إلى أن الدولة العبرية تسعى أيضًا للتواصل مع عناصر عملت مع الفصائل الفلسطينية في محاولة للعثور على جثة أحد الجنود الثلاثة الذين فُقدوا في معركة السلطان يعقوب بالبقاع أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
ويجدر بالذكر إلى أن روسيا كانت قد استرجعت جثتي جنديين في وقت سابق، وسلمتهما لإسرائيل ضمن صفقة.
هذا وأشارت “الأخبار” إلى أن إسرائيل مهتمة بملف “الآثار اليهودية في سوريا”. ولفتت إلى أن الدولة العبرية تشير إلى أنه تم تدمير نصف المواقع اليهودية في سوريا. وتتحدث عن اختفاء مجموعة من مخطوطات التوراة القديمة وغيرها من القطع الأثرية، وقد ظهر بعضها في تركيا.
من إلياهو بن شاؤول كوهين إلى كامل أمين ثابت.. من هو؟
إيلي كوهين هو أحد أشهر الجواسيس الإسرائيليين في التاريخ، ولد في 26 ديسمبر 1924 في مدينة الإسكندرية بمصر، لعائلة يهودية هاجرت من حلب السورية.
اسمه الكامل هو إلياهو بن شاؤول كوهين. نشأ في بيئة متعددة اللغات، حيث كان يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية، ودرس الهندسة في جامعة الإسكندرية، ولكنه لم يكمل تعليمه.
في أوائل الستينات، تم تجنيده من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، حيث أرسل إلى دمشق تحت اسم مستعار هو “كامل أمين ثابت”، وقال حينها إنه رجل أعمال من عائلة سورية مهاجرة إلى أمريكا اللاتينة.
هناك، تمكن من التسلل إلى أوساط النخبة السياسية والعسكرية السورية، مستغلا مهاراته الفائقة في كسب الثقة. أصبح قريبا من كبار المسؤولين السوريين، بما في ذلك وزير الدفاع، وتمكن من جمع معلومات حيوية حول تحركات الجيش السوري وخططه، مما كان له دور كبير في نتائج حرب 1967.
لكن في عام 1965، اكتشفت المخابرات السورية هويته، وألقي القبض عليه.
وفي 18 مايو من نفس العام، تمت محاكمته في محاكمة سرية، وحكم عليه بالإعدام. وفي نفس اليوم، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا.
ورغم مرور العديد من العقود على وفاته، لا تزال قضية إيلي كوهين تثير اهتمام إسرائيل، التي تسعى إلى العثور على رفاته في سوريا، خاصة في ظل الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها البلاد.
ماذا نعرف بعد..
في عام 1944، انضم إيلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في مدينة الإسكندرية، حيث بدأ بتطوير اهتمامه بالسياسة الصهيونية ودعم فكرة هجرة اليهود من مصر إلى فلسطين. وبعد حرب 1948، أصبح كوهين ناشطًا في تحفيز اليهود المصريين على الهجرة إلى إسرائيل، وفي 1949 هاجر والداه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل، بينما اختار هو البقاء في مصر.
خلال هذه الفترة، بدأ كوهين العمل مع إبراهام دار، أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، الذي كان مكلفًا بمهمة تجنيد العملاء ومساعدة اليهود في الهجرة. تحت اسم مستعار هو “جون دارلينج”، شكّل كوهين شبكة تجسس إسرائيلية في مصر، وقاموا بتنفيذ عمليات تخريبية استهدفت منشآت أمريكية في القاهرة والإسكندرية، بهدف الإضرار بالعلاقات المصرية الأمريكية.
في عام 1954، تم كشف شبكة التجسس في فضيحة “لافون” الشهيرة، لكن بعد التحقيقات، تمكن كوهين من إقناع السلطات ببراءته. ومع ذلك، غادر مصر في 1955 وواصل عمله مع جهاز الموساد الإسرائيلي، حيث تم إلحاقه بوحدة رقم 131. ورغم ذلك، استمرت المخابرات المصرية في مراقبته، وعندما نشبت أزمة العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، تم القبض عليه.
وزعمت تقارير سابقة لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن جهاز مخابرات غربي أبلغ إسرائيل أن أجهزة تنصت سوفيتية متطورة كانت في حوزة السوريين، هي التي ساعدت في اكتشاف أجهزة إرسال في شقة إيلي كوهين.
وقالت الصحيفة، إن المخابرات السورية قد بدأت بمراقبته لمدة عام كامل. وأكدت التقارير أن كوهين تعرض للتعذيب للحصول على معلومات عن عمل الموساد قبل إعدامه في مايو 1965.
وفقًا لتلك التقارير، كان الجنرال عبد الحليم حاطوم، الذي شارك في الحفلات التي نظمها كوهين في شقته، ضمن القضاة الذين أصدروا الحكم بالإعدام. في هذه الحفلات، كان كوهين يستدعي بائعات الهوى للقاء الضباط السوريين، وهو ما أسهم في تسليط الضوء على علاقاته المشبوهة.
وبعد تنفيذ حكم الإعدام، تُركت صور كوهين معلقة في ساحة المرجة، مما خلف أثرًا عميقًا لدى الإسرائيليين.
ووجهت ناديا كوهين، زوجته، في وقت لاحق اتهامات لرئيس جهاز الموساد مائير عميت، حيث حمّلته المسؤولية عن وفاة زوجها.
وفي سياق مختلف، أشارت تقارير المخابرات المصرية إلى أن اكتشاف كوهين كان نتيجة لتعاون بين المخابرات المصرية والسورية، حيث تم التقاط صور له مع قادة عسكريين في هضبة الجولان، مما أدى إلى التعرف عليه بسهولة.
وأكدت رواية أخرى في كتاب “دماء على أبواب الموساد” أن العميل المصري الشهير رأفت الهجان كان له دور في الكشف عن كوهين.
وفي صيف 2018، أعلنت الدولة العبرية أنّها استعادت ساعة اليد التي كان يضعها كوهين والتي كانت جزءاً من “هويته العربية الزائفة” وذلك بفضل “عملية خاصّة نفّذها الموساد في دولة عدوّة”.
وفي عام 2021، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تبذل جهودا مكثفة للعثور على رفات جاسوسها الشهير الذي أعدم في دمشق قبل 55 عاما، وإعادتها إلى إسرائيل. وجاءت تصريحات نتنياهو حينها قبيل انتخابات تشريعية مبكرة كانت مقررة في الدولة العبرية.
إيلي كوهين في السينما والتلفزيون
هذا وتم تجسيد حياة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في عدة أعمال فنية، أبرزها:
مسلسل “الجاسوس” – 2019: من إنتاج منصة نتفليكس: هذا المسلسل الدرامي الذي قام ببطولته ساشا بارون كوهين، يعرض حياة إيلي كوهين، بما في ذلك مهماته السرية في سوريا وتضحياته الشخصية. يركز المسلسل على كيفية تسلل إيلي كوهين للأوساط السياسية السورية، والمخاطر التي تعرض لها أثناء مهمته.
فيلم “جاسوس المستحيل” – 1987: هذا الفيلم الأمريكي يعرض القصة الحقيقية للجاسوس الإسرائيلي، بدءا من مهماته في سوريا وصولا إلى أسره وتنفيذه حكم الإعدام عليه.
شخصية “مأمون بيك” في مسلسل “باب الحارة”: بعض النقاد يعتبرون أن شخصية مأمون بيك، الذي يجسد دور جاسوس في الدراما السورية الشهيرة، تمثل إسقاطا على شخصية إيلي كوهين، خصوصا في سياق عمله كجاسوس في سوريا خلال تلك الفترة.