في ظل حكومة مدنية يقودها شهباز شريف، يشهد المشهد السياسي في باكستان تحولاً ملحوظاً، حيث يبرز الجيش بقيادة المشير عاصم منير كقوة مؤثرة في صياغة القرارات الأساسية للدولة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل الحكم المدني في البلاد، ويُوصف بأنه “انقلاب هادئ” يعيد تشكيل نموذج السلطة القائم، ويضع الجيش الباكستاني في مركز الصدارة.
وتشير التقارير إلى أن هذا التحول ليس انقلاباً تقليدياً، بل هو صعود تدريجي للجيش إلى السلطة، يتميز بالسيطرة المتزايدة على المؤسسات الرئيسية، والتأثير المباشر في السياسات الحكومية. وقد لفتت أنظار المراقبين لقاءات جمعت بين مسؤولين أمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، مع كل من رئيس الوزراء شريف والمشير منير، مما يعكس مكانة الجيش المتنامية في هرم السلطة الباكستاني.
تحولات مفصلية في دور الجيش الباكستاني
بدأت ملامح هذا التحول بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان عام 2022، وهي خطوة يعتقد الكثيرون أن الجيش لعب فيها دوراً محورياً. وقد صرح أحد وزراء حكومة شريف في وقت سابق بأنه “لا يمكن التخلص من عمران خان من دون الجيش”، مما يؤكد مدى تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي.
وعلى الرغم من فوز حزب خان بأغلبية المقاعد في انتخابات 2024، إلا أنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة بسبب القيود القانونية والسياسية. هذا الأمر عزز من اعتماد الحكومة المدنية الحالية على دعم الجيش، وأرسى وضعاً جديداً يعتمد فيه الاستقرار السياسي على التوازن بين المؤسستين العسكرية والمدنية.
ويشكل استمرار سجن عمران خان تحدياً كبيراً للجيش، حيث أن أي تسوية قضائية أو سياسية لقضيته قد تهدد النظام الجديد. وفي الوقت نفسه، فإن استبعاد خان من المشهد السياسي قد يضعف شرعية هذا النموذج في نظر الرأي العام.
تأثيرات اقتصادية ودبلوماسية
أصبح مجلس تيسير الاستثمار، وهو هيئة مشتركة بين المدنيين والعسكريين، الأداة الرئيسية لإدارة الاستثمارات الأجنبية. ويتمتع الجيش بنفوذ كبير داخل هذا المجلس، وقد أبرم من خلاله صفقات استثمارية ضخمة، مثل الاتفاق مع منظمة الأشغال الحدودية لتصدير المعادن النادرة.
وقد أقر البرلمان الباكستاني مؤخراً تعديلاً دستورياً يمنح المشير عاصم منير صلاحيات واسعة، بما في ذلك قيادة جميع أفرع القوات المسلحة، وحصانة قانونية مدى الحياة، وولاية قابلة للتجديد لمدة خمس سنوات. هذا التعديل يعزز من مكانة منير كقائد عسكري وسياسي مؤثر.
ويرى مراقبون أن هذا الدور المتزايد للجيش في الاقتصاد والدبلوماسية يعكس رغبة في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن هذا الأمر يثير مخاوف بشأن تهميش المؤسسات المدنية، وتقويض الديمقراطية.
مستقبل الحكم المدني في باكستان
الوضع الحالي في باكستان يمثل نموذجاً فريداً من نوعه، حيث لا يوجد انقلاب عسكري مباشر، ولكن الجيش يمارس نفوذاً كبيراً في صياغة السياسات الحكومية. هذا النموذج يثير تساؤلات حول مستقبل الحكم المدني في البلاد، ومدى قدرة المؤسسات المدنية على ممارسة سلطاتها بشكل كامل.
ويحذر البعض من أن تركيز السلطة في يد المؤسسة العسكرية قد يؤدي إلى تدهور المؤسسات المدنية، وتقويض آليات الرقابة الديمقراطية. في المقابل، يرى أنصار هذا النموذج أنه ضروري لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
من المتوقع أن يستمر هذا النموذج في المستقبل القريب، مع استمرار الجيش في لعب دور محوري في الشأن السياسي والاقتصادي الباكستاني. ومع ذلك، فإن مستقبل هذا النموذج يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك تطورات الأوضاع السياسية الداخلية، والعلاقات مع الدول الإقليمية والدولية، وقدرة الحكومة المدنية على إثبات فعاليتها وكفاءتها. سيراقب المحللون عن كثب التطورات المتعلقة بقضية عمران خان، وتأثيرها على الاستقرار السياسي في البلاد، بالإضافة إلى أداء الاقتصاد الباكستاني، وقدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية.













