كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيق حصري، استنادًا إلى تحديثات قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة، عن تفاصيل جديدة حول عملية “البيجر” وصولا إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وتعكس العملية عمق التغلغل الإسرائيلي على مدار نحو عقدين من العمل الاستخباراتي المعقد.
بحسب الصحيفة الأمريكية، كان نصر الله في اللحظات الأخيرة من حياته لا يزال يعتقد أن إسرائيل لن تتمكن من القضاء عليه. ففي نهاية سبتمبر 2023، انتقل نصر الله للإقامة في مخبأ محصن تحت الأرض على عمق 12 مترًا، حيث شدد مساعدوه على ضرورة اتخاذ مزيد من الاحتياطات.
ومع ذلك، أشارت المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها إسرائيل وشاركتها مع حلفائها الغربيين، إيران حذرت نصر الله لكنه تجاهلها، ولم يكن يعلم أن وكالة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” كانت تتابع تحركاته عن كثب نتيجة لجهود استخباراتية امتدت على مدى عقدين.
بناء شبكة من المصادر الاستخباراتية
في العام 2006، انتهت حرب لبنان الثانية دون حسم واضح لكت الحزب أكد انتصاره في حرب تموز، وعادت إسرائيل تجر ذيل انتكاستها بحسب مؤرخين عسكريين إسرائيليين، وقد شكلت نقطة انطلاق لعمليات استخباراتية مستمرة. وفقًا للصحيفة، زرعت إسرائيل أجهزة تتبع على صواريخ “فجر” التابعة لحزب الله، وهو ما مكنها من الحصول على معلومات حيوية حول مواقع الأسلحة السرية والمخابئ التابعة للحزب.
كما توسعت شبكة المصادر البشرية داخل حزب الله بعد الحرب، حيث جند الموساد العديد من الأفراد في لبنان، ما عزز قدراته الاستخباراتية بشأن مواقع القواعد العسكرية لحزب الله.
وفي عام 2012، نجحت وحدة (8200) الإسرائيلية في جمع معلومات دقيقة حول مواقع قادة حزب الله ومخابئهم. هذه المعلومات ساعدت في تعزيز الثقة بين وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، ما هيأ الأرضية لعمليات عسكرية مكثفة لاحقاً.
بعد ذلك، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحدة (8200) في تل أبيب حيث تلقى تقريرًا مفصلًا عن حزب الله، وفي تلك الزيارة قال قائد الوحدة لنتنياهو: “الآن يمكنك مهاجمة إيران”.
تحويل أجهزة الاتصال إلى قنابل قاتلة
في السنوات التالية، واصل الموساد تطوير شبكة المعلومات الاستخباراتية، مع التركيز على اختراق أجهزة الاتصال التي كان حزب الله يستخدمها. في عام 2014، قررت إسرائيل استغلال توقف شركة يابانية عن تصنيع أجهزة راديو معينة طلبها حزب الله.
فبدأ الموساد بتصنيع نسخ مقلدة لهذه الأجهزة وإدخالها إلى لبنان عبر شبكة من الشركات الوهمية. وفي 2018، تم تطوير خطة لإخفاء متفجرات داخل بطاريات هذه الأجهزة، مما حولها إلى قنابل قابلة للتفعيل عن بعد.
وفي شهر آذار/مارس 2023، عرض جهاز الاتصال المعدل على نتنياهو، الذي كان متشككًا في قوته. لإثبات فعاليته، قام نتنياهو بإلقاء الجهاز على الجدار، مما أدى إلى تدمير الجدار بينما ظل الجهاز سليمًا. وفي خريف 2023، تم إرسال هذه الأجهزة إلى حزب الله، وهي تحتوي على متفجرات جاهزة للتفعيل عن بعد.
فأما في تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، أي بعد هجوم طوفان الأقصى واندلاع الحرب على غزة، استمرت إسرائيل في تطوير خططها لمواجهة حزب الله، مع التركيز على اختراق أجهزة الاتصال التي كان يستخدمها الحزب.
في أيلول/سبتمبر 2024، اكتشف محللو المخابرات الإسرائيلية أن أحد الفنيين في حزب الله كان قد بدأ يشك في وجود متفجرات داخل أجهزة الاتصال وأرد إرسالها إلى إيران لفحصها، وبسرعة، تم استهدافه في غارة جوية أدت إلى مقتله.
في 16 سبتمبر 2024، اجتمع نتنياهو مع مسؤولي الأمن، حيث اتفقوا على تنفيذ عملية تفجير أجهزة الاتصال. وفي اليوم التالي، تم تفعيل العملية التي أسفرت عن انفجار الأجهزة في وقت قياسي، مما أسفر عن مقتل على عدد من القيادات العسكرية لحزب الله.
وعلى مدار عام كامل، عملت إسرائيل على تطوير خططها الحربية ضد حزب الله، بما في ذلك استهداف كبار قادة الحزب. وبعد سلسلة من العمليات الاستخباراتية الدقيقة والمركزة، تم اتخاذ القرار النهائي في 2024 باغتيال حسن نصر الله، ليُسدل الستار على مرحلة طويلة من التخطيط الاستخباراتي العميق والتسلل داخل صفوف حزب الله الذي كان شوكة مؤلمة في حلق إسرائيل لسنين طويلة.