إليكِ عنّي، خذي نقابَكِ وانصرفي، ثم أغلقي الباب، فما زال نوحُ العصافير يطرقُ مسمعي، منذ انطلاقِ الفراشاتِ في الصباح، وأنا ألوذُ بكِ، فأنتِ مجدي الضائع، وعقالي الذي أعتمرُه في المساء، هذه رفاةُ حُبِّكِ سأنثرُها في العراءِ و اتفرغ لأرسمكِ على أوراق تلك الشجرةِ التي حُرّمت عليّ ثُمّ أرميها بأُتون ناركِ التي تحاصر خلوتي، وأقفز من السفينة التي أقلتني إليك وأرجمُ حبّكِ بالحجارة، أيّتها الهاجس الذي يطرقُ مسمعي ويُجفل عصافيري التي تحتفي بشِعري الذي أكتُبه عنكِ ثم أمزّقه أمامها، كنتِ معجزتي التي أؤمنُ بها، لكنّ قلبَك أوصدَ النوافذ كلَّها وأحكمَ القيودَ على مشاعري وتركَ الصدفة العمياء توصدُ نوافذي المطلَة عليكِ، بأيّ تأويل أفسّر تواطؤ قلبكِ مع الخرافات التي دحضتُها بصياحِ الفراغِ الذي يذكّرني فيكِ، حيثُ وجهُك الذي يسكبُ الضوءَ في كلِّ شيء حوله، واقفاً أنامُ في الشرفة المطلة على جسدك، وأتركُ المقاعدَ القديمةَ في الحديقة تؤوّلُ وقوفي المريب، هذه رفاةُ حبِّكِ سأنثُرها في العراء وأتركُ اللقالقَ تبكي عليه، كيفَ أصفحُ عنكِ وقد تحوّل حبّي إلى رفاة بيديك؟ وما زلتُ أزيّن دربَك بالورود التي أقطفُها وتحقدُ عليّ، يا أمنياتي التي سَقطَتْ من جيبيّ المخروم، وأدعيتي التي لا تُستجاب! أنا الولهُ الذي تركَ المواعيدَ وجاء إليكِ، أنا بريدُك الذي لا تحملُهُ العصافيرُ، ورسائلُك التي تركَها السُعاةُ في الصناديق، أنا حطامُ سفينتِكِ التي ألقْتُه الأمواجُ الى الساحل، ومحطتُكِ الأخيرةُ في القطار الذي تعطّلَ في الطريق، وما زلتُ أتسلّقُ جبالَ جحودكِ وألّوحُ إليكِ، فليس لي بساطٌ يُقِّلني اليكِ! ولا مرافئ للانتظار، أنا المَلكُ الموكَلُ بحبّكِ وأنتِ المرتدّةُ عنه، خُذي كيسَ همومي وأنثريه في العراء، ليُورقَ هواجسَ للعابرين، ولا تقتربي كثيراً من المقهى الذي ارتادهُ في الصفنات، فيغضبُ منكِ ويكسرُ فناجينَه في الطرقات، ولا تصدّقي وصايا الكهنةِ حول دفاتري التي رسمتُكِ فيها بالكلمات، فإنّي رسولُك المُبِّشرُّ بأنوثتكِ التي أمسكُ بها، وانحرُ قصائدي قرابينَ لإهابكِ كلّما تمرين بخاطري، قصائدي التي كنتِ ترتدينها فساتين لسهراتكِ، وأنتِ ترقصين لغيري، وكنتُ أصفنُ فيكِ وأراكِ حيرتي التي لا تطاق، وهواجسي التي لا تنقضي، وأنا هائم كالأيائل أذرعُ الصقيعَ الذي يوصلني إليكِ، وأنثرُ شيئاً من رفاةِ حبّك في الجليد، وأتركُ بقاياه في زجاجةٍ منقوشةٍ بحسرتي وأقذفها في النهر، عسى مَنْ يلتقطها يكتبُ النعيَّ ويحملُ إليكِ بقايا رمادِ حبّكِ وينثرُها في العراء.
أخبار ذات صلة