منذ عقود، يمثل البحث عن “المادة المظلمة” لغزًا رئيسيًا في علم الفلك والفيزياء الفلكية. هذه المادة الغامضة، التي لا تتفاعل مع الضوء، يُعتقد أنها تشكل الجزء الأكبر من كتلة الكون، لكنها تظل عصية على الرصد المباشر. اكتشاف جديد، يعتمد على بيانات من تلسكوب فيرمي لأشعة غاما، يقدم إشارة واعدة قد تقودنا إلى فهم طبيعة هذه المادة المراوغة.
نشرت الدراسة، التي أجراها فريق من جامعة طوكيو بقيادة تومونوري توتاني، في دورية “جورنال أوف كوسمولوجي آند أستروبارتكل فيزكس”، وتحلل البيانات المتعلقة بانبعاثات أشعة غاما القادمة من مركز مجرتنا درب التبانة. يشير التحليل إلى وجود زيادة غير متوقعة في إشارة أشعة غاما، قد تكون مرتبطة بانفناء جسيمات المادة المظلمة.
سر أشعة غاما والإشارة المحتملة للمادة المظلمة
تعتمد فرضية المادة المظلمة على ملاحظات تتعلق بتناقض بين الكتلة المرئية للمجرّات وسرعة دورانها. فالمادة المرئية لا تكفي لشرح هذه السرعة، مما يشير إلى وجود كتلة إضافية غير مرئية تؤثر في حركة النجوم والغاز. المادة المظلمة تظهر تأثيرها من خلال الجاذبية، وتشكل الهيكل الكوني على نطاق واسع.
أشعة غاما هي أعلى أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي طاقة. عندما تتصادم جسيمات المادة المظلمة مع بعضها البعض، فإنها قد تفنى، مولدةً فوتونات أشعة غاما. يتمثل التحدي في تمييز هذه الفوتونات الناتجة عن انفناء المادة المظلمة عن مصادر أخرى لأشعة غاما في الفضاء.
تتميز الإشارة المكتشفة بتماثل كروي حول مركز المجرة، وتتغير شدتها مع المسافة بطريقة تتوافق مع توقعات نماذج المادة المظلمة. علاوة على ذلك، تظهر الإشارة ذروة في طيف الطاقة تتوافق مع طاقات الفوتونات التي قد تنتجها الجسيمات الضخمة الضعيفة التفاعل (WIMPs)، وهي من بين أبرز المرشحين لتركيب المادة المظلمة. هذا الاكتشاف قد يفتح آفاقًا جديدة في فهم تكوين الكون.
التحديات في تأكيد الاكتشاف
على الرغم من الإثارة التي أثارها هذا الاكتشاف، يحذر العلماء من أنه لا يزال مبكرًا جدًا للاعلان عن تأكيد وجود المادة المظلمة. فالسماء مليئة بمصادر أخرى انبعاثات أشعة غاما، مثل الانبعاثات الناتجة عن الأشعة الكونية التي تتفاعل مع الغاز بين النجوم والمصادر النجمية المختلفة.
يجب استبعاد هذه المصادر الأخرى بدقة قبل أن يُعتبر الاكتشاف دليلًا قاطعًا على وجود المادة المظلمة. تحتاج الفرق البحثية إلى إجراء المزيد من التحليلات، ومقارنة البيانات مع نماذج مختلفة، والبحث عن الإشارة نفسها في مناطق أخرى من المجرة.
الخطوات التالية والآفاق المستقبلية للبحث عن المادة المظلمة
الخطوة التالية للفريق الياباني هي البحث عن نفس الإشارة في مجرات قزمة أخرى، حيث من المتوقع أن تكون نسبة المادة المظلمة إلى المادة العادية أعلى. ستساعد هذه الملاحظات الإضافية في تحديد ما إذا كانت الإشارة المرصودة مرتبطة حقًا بالمادة المظلمة أم أنها ناتجة عن ظاهرة فيزيائية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن توفر التلسكوبات الجديدة للأشعة غاما، مثل تلسكوب CTA (Cherenkov Telescope Array) القيد الإنشاء، حساسية ودقة أعلى، مما سيعزز القدرة على رصد إشارات المادة المظلمة المحتملة وتحليلها. المادة المظلمة لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا لعلم الفلك الحديث، ولكن مع التقدم التكنولوجي والتحليلات المتطورة، فإن الأمل في كشف أسرارها يزداد.
سيستمر الباحثون في دراسة البيانات المتاحة وتطوير نماذج جديدة لشرح طبيعة المادة المظلمة. إن فهم المادة المظلمة أمر بالغ الأهمية لإكمال الصورة الكونية وفهم تطور المجرات وهيكل الكون بشكل عام.













