يُعد البروتين من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم، ويلعب دوراً حيوياً في بناء العضلات وإصلاح الأنسجة، وتقوية العظام، وتعزيز جهاز المناعة، والمساعدة في الشعور بالشبع. وعلى الرغم من أهميته، فقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في استهلاك البروتين، خاصةً من خلال المنتجات المُدعّمة والمكملات الغذائية، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإفراط في تناول البروتين مفيداً أم ضاراً بالصحة.
أصبح البروتين محوراً رئيسياً في مجالات التغذية والرياضة، مع تزايد شعبية المنتجات الغنية به. ومع ذلك، يلاحظ خبراء التغذية تحولاً نحو استهلاك مفرط للبروتين، قد يتجاوز الاحتياجات الفعلية للجسم ويؤثر سلباً على الصحة العامة. فهل نحن بحاجة حقاً إلى هذه الكميات الكبيرة من البروتين التي يتم الترويج لها؟
هل نحتاج إلى هذا الكم من البروتين؟
على الرغم من الدور الحيوي للبروتين في دعم وظائف الجسم المختلفة، إلا أن الكمية المطلوبة تختلف بشكل كبير من شخص لآخر. تعتمد الاحتياجات اليومية من البروتين على عوامل متعددة مثل الوزن، والعمر، ومستوى النشاط البدني، والحالة الصحية العامة. زيادة كمية البروتين المتناولة لا تترجم دائماً إلى زيادة في الكتلة العضلية، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
يُشير الخبراء إلى أن الإفراط في تناول البروتين يمكن أن يضع عبئاً إضافياً على الكليتين، خاصةً لدى الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية في الكلى. كما أن الاستهلاك المفرط للبروتين قد يؤدي إلى تقليل تناول العناصر الغذائية الأخرى الهامة، مثل الألياف والفيتامينات، مما يؤثر سلباً على صحة الجهاز الهضمي.
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من البروتين الحيواني، تتجاوز احتياجاتهم الفعلية، قد يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن والسمنة بنسبة تصل إلى 23%. ويرجع ذلك إلى أن الجسم لا يخزن البروتين الزائد، ويقوم بتحويله إما إلى طاقة أو يخزنه على شكل دهون.
بالإضافة إلى ذلك، قد يساهم الإفراط في البروتين في ارتفاع مستويات الدهون والكوليسترول في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. كما أن الاعتماد على المكملات الغذائية الغنية بالبروتين قد يكون مكلفاً من الناحية المالية، دون تحقيق فائدة صحية إضافية تتجاوز الاحتياجات الأساسية.
ما كمية البروتين التي تحتاجها؟
توصي الإرشادات الغذائية العامة بأن يشكل البروتين ما بين 10% إلى 35% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية. لحساب الكمية المناسبة، يمكن اتباع النسب التالية:
- الأفراد البالغون غير النشطين: حوالي 0.8 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يومياً.
- الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام: تتراوح الاحتياجات بين 1.1 إلى 1.5 جرام لكل كيلوجرام.
- ممارسو رفع الأثقال أو الأنشطة البدنية الشاقة: قد يحتاجون إلى 1.2 إلى 1.7 جرام لكل كيلوجرام.
- الأشخاص الذين يسعون إلى زيادة الكتلة العضلية: تتراوح الاحتياجات بين 1.6 و 2.2 جرام لكل كيلوجرام.
- الأفراد فوق سن الأربعين: يفضل زيادة الكمية إلى 1-1.2 جرام لكل كيلوجرام للمساعدة في الحفاظ على الكتلة العضلية.
من المهم توزيع استهلاك البروتين على مدار اليوم، في 3 إلى 4 وجبات، لضمان امتصاص أفضل واستفادة أكبر. يجب التركيز على اختيار مصادر البروتين الصحية والمتنوعة، مثل اللحوم والدواجن والأسماك والبقوليات والمكسرات ومنتجات الألبان.
علامات استهلاك كميات مفرطة من البروتين
قد تشير بعض الأعراض إلى أنك تستهلك كمية مفرطة من البروتين، وتتطلب مراجعة عاداتك الغذائية أو استشارة الطبيب. من بين هذه العلامات:
- رائحة الفم الكريهة: نتيجة لعملية الأيض التي ينتج عنها مركبات الأمونيا.
- الإجهاد على الكلى: مما قد يؤدي إلى زيادة التبول.
- الإمساك أو الإسهال: بسبب عدم كفاية الألياف في النظام الغذائي.
- الجفاف: نتيجة لعمل الكلى الإضافي لإزالة الفضلات الناتجة عن استقلاب البروتين.
العودة إلى نظام صحي متوازن
لتحقيق توازن صحي في استهلاك البروتين، من الضروري حساب الاحتياجات الفردية بناءً على النشاط البدني والوزن والعمر. ينصح خبراء التغذية بتنويع مصادر البروتين، والتركيز على الأطعمة الكاملة الغنية بالبروتين، وتقليل الاعتماد على المكملات الغذائية. كما يجب التأكد من تضمين كميات كافية من الألياف والفيتامينات والمعادن في النظام الغذائي لضمان صحة الجسم بشكل عام.
تستمر الأبحاث والدراسات في تحليل العلاقة بين استهلاك البروتين والصحة العامة، ومن المتوقع أن يتم تحديث الإرشادات الغذائية بناءً على هذه النتائج في السنوات القليلة القادمة. يجب على الأفراد متابعة التطورات في مجال التغذية، واستشارة أخصائيي التغذية للحصول على نصائح مخصصة تتناسب مع احتياجاتهم وظروفهم الصحية.













