ينطلق تقرير حديث من صحيفة “وول ستريت جورنال” بتحليل غير تقليدي لمخاطر الديون الأمريكية، مُشيرًا إلى أنَّ النظر إلى الوضع الاقتصادي في أوروبا قد يقدم رؤى قيّمة. فالسياسة المالية والعجز العام غالبًا ما يتداخلان، مما يُقيّد قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة، وهو ما قد يواجهه الاقتصاد الأمريكي قريبًا. هذا التقرير يركز على المخاطر المتزايدة لـالدين الأمريكي وتداعياته المحتملة.
وتُظهر التجارب في كل من المملكة المتحدة وفرنسا أنَّ السياسة والديون العامة لا يشكلان مزيجًا مثاليًا. ففي كلا البلدين، تتشابك الاعتبارات السياسية مع الضرورة الاقتصادية، مما يؤدي إلى تأخير الإصلاحات الضرورية وتفاقم المشكلات المالية. هذا التشابك يُهدد الاستقرار الاقتصادي ويُثير تساؤلات حول الاستدامة المالية على المدى الطويل.
الدين الأمريكي: هل يواجه الدولار خطرًا حقيقيًا؟
وترى الصحيفة أنَّ الولايات المتحدة بدأت تُظهر علامات مشابهة، لكنها لم تصل بعد إلى “لحظة الحقيقة”. فالدولار الأمريكي لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة عالمية رئيسية، مما يوفر حاجزًا وقائيًا ضد الصدمات المالية. ومع ذلك، فإن هذا الحاجز ليس مضمونًا وقد يتآكل بمرور الوقت.
وتشير “وول ستريت جورنال” إلى أنَّ ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية في أبريل/نيسان الماضي كان بمثابة تحذير مبكر. فقد أثارت المخاوف بشأن الاستدامة المالية الأمريكية موجة من البيع في سوق السندات، مما أجبر البنك الفيدرالي على التدخل لتهدئة الأسواق. هذا التدخل يُظهر مدى حساسية الأسواق المالية لأي علامة على ضعف في الوضع المالي الأمريكي.
التشابه مع الأزمات الأوروبية
وتُقارن الصحيفة بين الوضع في الولايات المتحدة وبين الأزمات التي شهدتها بعض الدول الأوروبية. فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، وجدت نفسها في مأزق ثلاثي: إرضاء الدائنين، وكسب الناخبين، وتطبيق سياسات اقتصادية سليمة. هذا المأزق أجبر الحكومة البريطانية على التخلي عن بعض وعودها الاقتصادية والتركيز على تهدئة الأسواق المالية.
وفي فرنسا، الوضع أكثر تعقيدًا، حيث يواجه الاقتصاد الفرنسي مستويات أعلى من الديون والعجز، بالإضافة إلى ضرائب مرتفعة بالفعل. هذا يجعل من الصعب على الحكومة الفرنسية اتخاذ أي إجراءات إضافية لزيادة الإيرادات دون إلحاق ضرر بالنمو الاقتصادي.
وتُضيف الصحيفة أنَّ ما يميز الاقتصاد الأمريكي هو قدرته على تحمل المزيد من الديون مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية. ويرجع ذلك إلى مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية، مما يتيح للولايات المتحدة اقتراض الأموال بشروط ميسرة. ومع ذلك، فإن هذا الوضع ليس دائمًا، وهناك عدد من العوامل التي قد تهدد مكانة الدولار.
تهديدات تواجه الدولار
وتحدد “وول ستريت جورنال” أربعة تهديدات رئيسية لمكانة الدولار: اتساع العجز المالي الأمريكي، وتزايد استخدام عملات أخرى في التجارة الدولية (مثل اليوان الصيني)، وتوجه بعض الدول لزيادة احتياطياتها من الذهب كبديل للأصول المقومة بالدولار، واستخدام الولايات المتحدة للأدوات المالية كسلاح سياسي. هذه العوامل، على الرغم من أنها لم تؤثر بشكل حاسم على الدولار حتى الآن، إلا أنها تُلحق به ضررًا تدريجيًا.
وتشير الصحيفة إلى أنَّ الخطر الأكبر يكمن في اللحظة التي تبدأ فيها الأسواق المالية في فقدان الثقة في الدولار. ففي هذه الحالة، قد ترتفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية بشكل حاد، مما يزيد من تكلفة الاقتراض ويُهدد الاستقرار المالي. هذا السيناريو يتطلب من صانعي السياسات اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة المشكلات المالية الأمريكية واستعادة ثقة الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، يُسلط التقرير الضوء على أهمية السياسة النقدية في إدارة الدين العام. فالبنك المركزي قد يلجأ إلى شراء السندات الحكومية لخفض عوائدها وتسهيل عملية الاقتراض، لكن هذا قد يؤدي إلى التضخم. وبالتالي، يجب على البنك المركزي أن يوازن بين الحاجة إلى دعم الاقتصاد والحاجة إلى الحفاظ على استقرار الأسعار.
كما أنَّ الإنفاق الحكومي يلعب دورًا حاسمًا في إدارة الدين العام. فخفض الإنفاق قد يساعد في تقليل العجز المالي، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وبالتالي، يجب على الحكومة أن تختار بعناية المجالات التي تخفض فيها الإنفاق، مع الحرص على عدم إلحاق ضرر بالاقتصاد.
وتختتم “وول ستريت جورنال” بأنَّ الولايات المتحدة تمتلك الأدوات اللازمة لمعالجة مشكلة الدين العام، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية لاتخاذ القرارات الصعبة. فزيادة الضرائب وخفض الإنفاق هما إجراءان غير شعبويين، لكنهما قد يكونان ضروريين للحفاظ على الاستقرار المالي على المدى الطويل. ومن المتوقع أن يناقش الكونجرس الأمريكي خلال الأشهر القادمة مقترحات جديدة لخفض الدين العام، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المقترحات.













