خفضت السلطات الصينية، الثلاثاء، سعر الفائدة على القروض العقارية، بأكبر قدر منذ عام 2019، في محاولة منها لتعزيز التمويل العقاري وتحفيز الطلب على الائتمان وإنعاش قطاع العقارات الذي يعاني من مشكلات كبيرة أفرزتها الجائحة وذلك جراء سنوات من الإفراط في البناء والاقتراض.
ومع ذلك يرى خبراء أن هذا التخفيض لن يكون ذا فائدة كبيرة للمطورين وقطاع العقارات ككل، لكنه قد يعطي إشارة بأن الصين قد تتجه لمزيد من الإجراءات المحفزة في الأشهر المقبلة.
وإلى جانب سلسلة من التحديات التي يعاني منها ثاني أكبر اقتصاد في العالم والمتمثلة باضطرابات الأسواق وضعف ثقة المستهلكين وتراكم الديون، أدت أزمة القطاع العقاري، الذي يشكل بالإضافة إلى الصناعات المرتبطة به نحو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلى تباطؤ وتيرة نموه، حيث سجل الناتج المحلي لعام 2023، أقل معدل نمو منذ عام 1990، بواقع 5.2 بالمئة باستثناء فترة الجائحة.
ومنذ عام 2020 مع بداية تفشي الجائحة، كان قطاع العقارات يشهد تشديداً في شروط منح الائتمان لشركات المقاولات العقارية من قبل السلطات الصينية بهدف خفض مستوى الديون، ما أدى إلى معاناة القطاع من نقص حاد في السيولة حيث برزت معاناة مجموعات عملاقة مثل إيفرغراند وكانتري غاردن من تحديات مالية ناجمة عن انخفاض ثقة المشترين، نتيجة للمشاريع العقارية التي لم يتم الانتهاء منها والانخفاض الكبير في الأسعار.
وخفض بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) سعر الفائدة الرئيسي على القرض لأجل خمسة أعوام 25 نقطة أساس إلى 3.95 بالمئة من 4.20، في حين أبقى سعر الفائدة الرئيسي على القروض لأجل عام واحد دون تغيير عند 3.45 بالمئة.
وتعتمد معظم القروض الجديدة والمستحقة في الصين على معدل الفائدة على القروض لمدة عام واحد، في حين يؤثر معدل الخمس سنوات على تسعير الرهن العقاري.
وكان التخفيض في سعر الفائدة لمدة خمس سنوات لشهر فبراير أكبر من التوقعات بخفض ما بين خمس إلى 15 نقطة أساس بحسب استطلاع أجرته رويترز لآراء اقتصاديين، كما كان هذا أيضاً أكبر تخفيض لمرة واحدة في سعر الفائدة لمدة خمس سنوات والأول منذ أن تم تخفيض سعر الفائدة لمدة خمس سنوات آخر مرة في يونيو الماضي بمقدار 10 نقاط أساس.
مصدر أزمة الإسكان
يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons“، علي حمودي، في حديثه لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “علينا أولاً أن معرفة مصادر أزمة الإسكان في الصين وكيف بدأت؟، فخلال سنوات من تغذية الديون للتنمية في البلاد، ونقص البدائل الاستثمارية للأسر الصينية في اقتصاد السوق الاشتراكي، وشبكة الأمان الاجتماعي الهزيلة، والسياسات الحكومية التي ساعدت في دعم قطاع الإسكان، كلها مجتمعة دفعت الكثير من الأسر للاقتراض والاستثمار في القطاع العقاري وهو ما أدى إلى فقاعة الإسكان في الصين قبل عام 2020”.
ويوضح حمودي أن انخفاض أسعار الفائدة قد يساعد بعض الأسر في الحفاظ على مدفوعات الرهن العقاري، لكنه في الوقت ذاته لن يكون ذا فائدة كبيرة للمطورين وقطاع العقارات ككل، لأن المطورين استدانوا كثيراً حتى أصبح العرض أكبر من الطلب بكثير في القطاع العقاري، وبات أغلب الصينيين ينظرون إلى هذا القطاع على أنه خاسر وأنه ليس مصدر استثمار مربح.
ويرى الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” أن الحل يكمن في فرض ضريبة عقارية على مستوى البلاد وتحسين معاشات التقاعد أو غير ذلك من خيارات الادخار، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تقليل حاجة الأسر إلى الاستثمار في الإسكان، كما ستكون هناك حاجة إلى إصلاحات مالية تعمل على سد عدم التوافق الهيكلي للحكومات المحلية بين الإيرادات والتزامات الإنفاق لتقليل اعتمادها على مبيعات الأراضي والنشاط العقاري.
مشكلة العقارات لا ترتبط بالقروض
بدورها، نقلت شبكة (CNBC) عن لويز لو، كبيرة الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس” قولها: “تشير التحركات في الصين إلى استمرار تفضيل السلطات للتيسير المستهدف، ورغبتها في زيادة الدعم لقطاع العقارات، و”يكشف حجم التحرك اليوم عن قلق حقيقي بين صناع السياسة في بكين من أن الإجراءات البطيئة التدريجية التيسيرية التي تم تنفيذها حتى الآن لم يكن له تأثير يذكر، ولكن مشكلة العقارات في الصين لا ترتبط في نهاية المطاف بالقروض العقارية، على الرغم من أن هذه الخطوة يمكن أن تعزز الطلب وإلى جانب مجموعة واسعة من التدابير لإدارة عملية تصحيح القطاع العقاري”.
التحفيز النقدي خطوة أولى للتعافي
من جهته، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام: “تحرك بنك الصين الشعبي بتخفيض سعر الفائدة الرئيسي على القروض لمدة خمس سنوات بمقدار 25 نقطة أساس وبشكل أكبر مما توقعته الأسواق، قد يعطي إشارة بأن الصين قد تتجه لمزيد من الإجراءات لدعم الاقتصاد في الأشهر المقبلة نظراً لأن تخفيض الفائدة المتأخر جاء ليعالج مشكلة انتقلت إلى الطلب المحلي، إذ أن تخفيض الفائدة قد يحفز الطلب البطيء على العقارات وقروض الشركات طويلة الآجل وهي خطوة واضحة كتركيز مكثف على التدابير الرامية إلى مكافحة أزمة العقارات التي تُعتبر عائقاً كبيراً ودافعاً سلبياً للنمو المستدام في ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
يبقى التحفيز النقدي والمالي الحالي خطوة أولى في الاقتصاد الصين للحصول على التعافي من جهة وثقة المستثمرين من جهة أخرى، فالتخفيض الحالي لا يعتبر تحول في قطاع العقارات لكن قد يكون الخطوة الأولى لتعزيز معنويات الإسكان وجذب المزيد من مشتري المنازل مع تراجع المبيعات، وفقاً لعزام.
والجدير بالذكر أن الصين قدمت المزيد من عمليات تحفيز الاقتصاد في الآونة الأخيرة، حيث قدمت سيولة بقيمة تريليون يوان (139 مليار دولار) في النظام المصرفي من خلال خفض نسبة متطلبات الاحتياطي، كما خفضت أسعار الفائدة على إعادة الأموال المقدمة للمقرضين لتحفيز القروض للشركات الزراعية والصغيرة.
ويشير عزام في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن توقيت تخفيض الفائدة الآن قد يتناسب مع موسم ذروة مبيعات المنازل في الصين، حيث إنه تقليدياً ترتفع عمليات البيع بعد عطلة رأس السنة القمرية، فقد يكون التوقيت المناسب بموعد تخفيض الفائدة كحافز مع عادات مشتري العقارات، كما أنه يعكس مساعي إخراج اقتصاد الصين من الضغوط الانكماشية في التضخم التي سجلت قراءات انكماش لأربع أشهر متتالية.
يعكس تحرك بنك الصين الشعبي بخفض الفائدة خطوة وليست تحول في معنويات قطاع العقارات لفترة زمنية طويلة، لذا قد يحتاج البنك المزيد من عمليات التحفيز النقدي والمالي في عام 2024، وقد يكون تحرك الفيدرالي الأميركي في تخفيض الفائدة في النصف الثاني من عام 2024 بادرة لبنك الصين لتبني المزيد من السياسة التسهيلية، بحسب محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي.