الخرطوم – حقق الجيش السوداني تقدماً ميدانياً ملحوظاً في ولاية جنوب كردفان خلال الأيام القليلة الماضية، حيث استعاد السيطرة على ثماني مناطق كانت تحت سيطرة الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو منذ عام 2011. يأتي هذا التقدم في إطار جهود الجيش لتأمين المنطقة ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، ويشكل تحولاً مهماً في ميزان القوى بالولاية.
ويعتبر هذا التطور مؤشراً على تمدد العمليات العسكرية وتراجع نفوذ الحركة الشعبية/شمال في ولاية جنوب كردفان، التي تشكل جزءاً حيوياً من إقليم كردفان. وقد شهدت المنطقة هدوءاً نسبياً لمدة 13 عاماً، قبل أن تشهد تصعيداً في التوترات مع قصف مسيّرات الجيش لمناطق تابعة للحركة الشعبية، عقب هجمات متتالية شنتها قوات الدعم السريع والحركة على بلدة كرتالا الزراعية.
الجيش السوداني يستعيد السيطرة على مناطق استراتيجية في جنوب كردفان
تمكنت القوات المسلحة السودانية من استعادة السيطرة على مناطق تبسة، والدامرة، والشاواية، والجبيلات، والسنادرة، وجوليا، والموريب، في محليتي العباسية وأبو جبيهة بشرق الولاية. تتميز هذه المناطق بتضاريس معقدة، مما يجعل العملية العسكرية أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن استعادة هذه المناطق تأتي في إطار حملة أوسع نطاقاً لتحرير ولاية كردفان والانطلاق نحو إقليم دارفور. وقد أعلن مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، عن نقل مركز العمليات العسكرية بالكامل إلى كردفان، مؤكداً الاستعداد لعمليات عسكرية حتى الحدود الدولية.
أهمية المناطق المستعادة
تُعد المناطق التي استعادها الجيش ذات أهمية خاصة لموقعها في محلية العباسية المتاخمة لشمال كردفان، وقربها من الطريق القومي الذي يربط بورتسودان بمدينة الأبيّض. كما تستخدمها الحركة الشعبية كمواقع للتدريب ومخازن للأسلحة.
ويشير الخبير العسكري أبو بكر عبد الرحيم إلى أن هذه المناطق تمثل نقاط ارتكاز للحركة الشعبية، وأن استعادة السيطرة عليها يهدف إلى تعطيل قدرتها على التوسع والتهديد للمناطق المجاورة.
خلفية الصراع بين الجيش والحركة الشعبية – شمال
تعود جذور الصراع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية – شمال إلى عام 2011، عندما قررت الحركة فك الارتباط سياسياً وتنظيمياً وإدارياً وعسكرياً عن الحركة الشعبية في جنوب السودان بعد انفصال الجنوب. وفي يونيو 2011، رفعت الحركة الشعبية – شمال السلاح ضد الحكومة الاتحادية، وسيطرت على عدة محليات في جنوب كردفان.
شهدت السنوات التالية معارك دامية بين الجيش والحركة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أكتوبر 2019. ومع ذلك، تجددت الاشتباكات بعد اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023.
دور قوات الدعم السريع
سيطرت قوات الدعم السريع في بداية الحرب على محلية القوز في شمال ولاية جنوب كردفان، ثم تحالفت مع الحركة الشعبية – شمال، ونقلت بعض قواتها إلى الولاية. وقد خاضت القوات المشتركة عمليات عسكرية للاستيلاء على الدلنج ومنطقة هبيلة الزراعية، والانتشار في أجزاء من محليتي العباسية وأبو جبيهة.
ويُجري الجانبان عمليات تجنيد وتدريب في معسكر بمنطقة كاودا، معقل الحركة الشعبية، والذي قصفه طيران الجيش مؤخراً.
تداعيات التطورات الأخيرة على المشهد العسكري في السودان
يأتي هجوم الجيش على المناطق الشرقية لولاية جنوب كردفان في سياق حملته الأوسع نطاقاً لتأمين ولاية كردفان، وتهدف إلى قطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع والحركة الشعبية. ويُعد هذا التقدم خطوة مهمة في مساعي الجيش لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها في الأشهر الأخيرة.
ويرى المحلل يوسف عبد المنان أن العمليات العسكرية الحالية قد تؤدي إلى تغيير في ميزان القوى في ولاية كردفان، وأنها قد تمهد الطريق لعمليات عسكرية أوسع نطاقاً في إقليم دارفور. ومع ذلك، يشدد على أن الوضع لا يزال متقلباً، وأن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على مسار الحرب.
من المتوقع أن يستمر الجيش في تعزيز سيطرته على المناطق التي استعادها، والعمل على تأمين الطرق الرئيسية، وقطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع والحركة الشعبية. في الوقت نفسه، من المرجح أن تحاول الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع استعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها، وتنفيذ هجمات مضادة ضد الجيش. ويتوقف مستقبل الوضع العسكري في ولاية جنوب كردفان على قدرة كل طرف على تحقيق أهدافه الاستراتيجية، وعلى تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في السودان بشكل عام.













