كشفت صحيفة واشنطن بوست عن أدلة مقلقة تتعلق باعتقالات جماعية وتعذيب ممنهج للمدنيين في مدينة الفاشر السودانية على يد قوات الدعم السريع. وتأتي هذه التقارير في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في السودان، حيث يواجه المدنيون ويلات الحرب المستمرة منذ أبريل 2023. وتُلقي هذه الشهادات الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي تحدث، وتثير مخاوف دولية بشأن مستقبل الوضع في السودان.
وتستند الصحيفة في تقريرها إلى شهادات ناجين ومنظمات حقوقية، والتي تشير إلى أن قوات الدعم السريع قامت باختطاف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، واحتجازهم مقابل فدية مالية. كما وردت تقارير عن إعدامات فورية للذين يعجزون عن دفع الفدية، وأحياناً أمام أفراد من عائلاتهم. وتفاقمت هذه الانتهاكات بعد انسحاب الجيش السوداني من الفاشر في أكتوبر الماضي.
منظومة الابتزاز والاعتقالات في الفاشر
وتصف الشهادات المروعة منظومة ابتزاز منظمة، خاصة في مدينة نيالا، حيث يُحتجز آلاف المدنيين في ظروف قاسية. ويُجبر المحتجزون على الاتصال بعائلاتهم للمطالبة بمبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم، وغالباً ما تكون هذه المبالغ باهظة وغير قابلة للتحقيق بالنسبة للكثير من العائلات السودانية.
وبحسب التقارير، فإن عمليات التعذيب وسوء الأوضاع الصحية تؤدي إلى وفيات متكررة داخل مراكز الاحتجاز. وقد أكدت منظمات طبية وحقوقية احتجاز أطباء وسياسيين وإعلاميين ضمن الضحايا، مما يشير إلى استهداف محدد لفئات معينة من المجتمع.
شهادات الناجين تكشف عن فظائع
أحد الناجين، وهو عامل طبي، روى للصحيفة أنه فر مع مجموعة من المدنيين بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، لكنهم أُسروا سريعاً. وأفاد بأن حوالي 30 شخصاً من المجموعة أُعدموا على الفور، بينما أُجبر الباقون على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم. وأضاف أن الحراس كانوا يشجعون على القتل العشوائي، وأنهم سمعوا أحدهم يقول: “يجب أن تقتلوا نصفهم للضغط على البقية كي يدفعوا”.
وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد قُتلوا على يد قوات الدعم السريع في الفاشر وحدها، وفقاً لمدير مختبر البحوث الإنسانية في كلية ييل للصحة العامة، ناثانيال ريموند. ومن المتوقع أن يصدر المختبر تقريراً مفصلاً الأسبوع المقبل يوثق ما لا يقل عن 140 موقعاً لتكدس الجثث، ويكشف عن جهود واسعة النطاق لإخفاء الأدلة.
وتأتي هذه الأحداث في سياق حرب أهلية مدمرة تشهدها السودان منذ أبريل 2023، حيث صنفت الأمم المتحدة الأزمة بأنها الأسوأ في العالم. وقد أدت الحرب إلى نزوح حوالي 12 مليون شخص، وتسببت في مقتل أعداد هائلة من المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وتشير التقارير إلى أن الوضع في السودان يتأثر أيضاً بالتنافس الإقليمي، حيث تتهم بعض الأطراف دولاً مجاورة بدعم قوات الدعم السريع. وعلى الرغم من العقوبات الدولية التي فرضت على بعض الأفراد والكيانات المتورطة في العنف، إلا أن هذه العقوبات لم تفلح حتى الآن في وقف القتال.
تداعيات الأزمة ومستقبل السودان
وتثير هذه التطورات مخاوف متزايدة بشأن مستقبل السودان، واحتمال وقوع المزيد من الانتهاكات ضد المدنيين. كما أنها تلقي الضوء على الحاجة الملحة إلى تدخل دولي فعال لحماية المدنيين، ووقف العنف، والضغط على الأطراف المتنازعة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وتشير التقديرات إلى أن الوضع الإنساني في الفاشر يزداد سوءاً، حيث يعاني المدنيون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. كما أن هناك مخاوف متزايدة بشأن انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة مع انهيار النظام الصحي في المدينة. ويزداد التحدي مع صعوبة الوصول إلى المحتاجين بسبب استمرار القتال.
من المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في السودان خلال الأسابيع القادمة، مع التركيز على إيجاد حل سياسي شامل يضمن مشاركة جميع الأطراف في السلطة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الشكوك حول فرص نجاح هذه الجهود، خاصة مع استمرار التصعيد العسكري ورفض الأطراف المتنازعة تقديم تنازلات متبادلة. يجب مراقبة تطورات الأزمة السودانية عن كثب، وتقييم تأثيرها على المنطقة والعالم.
وتعتبر حماية المدنيين في السودان أولوية قصوى، ويتطلب ذلك تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية. كما أن هناك حاجة ماسة إلى تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من الحرب، وتوفير الدعم اللازم لهم لإعادة بناء حياتهم.













