وقّع لبنان ومصر مذكرة تفاهم تاريخية بشأن الغاز الطبيعي، في محاولة لمعالجة أزمة الكهرباء الحادة التي يعاني منها لبنان منذ سنوات. تهدف هذه الخطوة إلى تأمين إمدادات مستدامة من الطاقة بأسعار معقولة، وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي المكلف. جاء التوقيع في ظل تقنين صارم للكهرباء يتجاوز 20 ساعة يوميًا وتراجع كبير في الإنتاج المحلي.
تم التوقيع على مذكرة التفاهم في بيروت، بحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام، ووزير الطاقة اللبناني جو صدي، ووزير البترول والثروة المعدنية المصري المهندس كريم بدوي، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين من كلا البلدين وسفير مصر في لبنان علاء موسى. وتأتي هذه المذكرة في إطار تعزيز التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة.
الانتقال إلى الغاز الطبيعي: خطوة نحو استقرار الطاقة في لبنان
أعلن وزير الطاقة اللبناني، جو صدي، أن البلاد تسعى إلى نقل قطاع الطاقة تدريجيًا من استخدام الفيول إلى الغاز الطبيعي، مشيرًا إلى أن الغاز الطبيعي يعتبر خيارًا أرخص وأكثر صداقة للبيئة. ويهدف هذا التحول إلى التخلص من التعقيدات المرتبطة بمناقصات الفيول، والتي كانت مصدرًا للعديد من المشاكل في الماضي.
وبحسب تصريحات الوزير صدي، فقد تلقى لبنان تقريرًا من لجنة فنية أرسلتها الأردن، والتي درست إمكانية إعادة تأهيل خط أنابيب الغاز القائم الذي يربط العقبة بسوريا. كما شمل التقييم خط أنابيب آخر يغذي معمل دير عمار بالغاز. وتشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة إصلاح الجزء اللبناني من خط الأنابيب ليست باهظة، ويمكن إنجازها في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر.
وأضاف الوزير أن الجانب السوري يقوم بتقييم مماثل لخطوط الأنابيب الموجودة على أراضيه. ويعتزم لبنان التواصل مع الجهات المانحة لطلب المساعدة في تمويل مشاريع إعادة التأهيل، خاصةً فيما يتعلق بالجزء اللبناني من خط دير عمار.
يواجه قطاع الكهرباء في لبنان تحديات كبيرة منذ عقود، حيث تراكمت ديون عليه تجاوزت 40 مليار دولار. وعلى الرغم من الجهود الحكومية المتتالية، لم يتمكن لبنان من إيجاد حل جذري للأزمة، بسبب تداخل العوامل السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى مشكلات البنية التحتية والفساد.
تنويع مصادر الطاقة
أكد وزير الطاقة اللبناني على أهمية تنويع مصادر الغاز الطبيعي، مشيرًا إلى أن لبنان يسعى إلى التعاون مع دول الخليج العربي، أو من خلال مؤسسة التمويل الدولية، لإنشاء محطات جديدة تعمل بالغاز. كما يتم دراسة إمكانية إنشاء محطة لتسييل الغاز لتسهيل عملية الاستيراد والتوزيع.
تهدف مذكرة التفاهم مع مصر إلى تأمين إمدادات من الغاز الطبيعي المصري عندما يتوفر، وسيتم التفاوض على تفاصيل العقد والأسعار في الأسابيع القادمة. تعتمد استراتيجية لبنان على الانتقال إلى الغاز الطبيعي وتنويع مصادره، سواء عن طريق البر أو البحر.
وأشار الوزير صدي إلى أن التعاون مع مصر قد يؤدي في المستقبل إلى اتفاق لشراء الغاز لتزويد معمل دير عمار. لكن هذا المسار يتطلب بعض الوقت لإعادة تأهيل خطوط الأنابيب، وتقييم الأضرار في الجانب السوري، بالإضافة إلى المفاوضات مع الأردن وسوريا.
دعم مصري وخبرة تقنية لقطاع الطاقة اللبناني
أعرب الرئيس اللبناني جوزاف عون عن تقديره العميق للدعم الذي تقدمه مصر للبنان، بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. واعتبر توقيع مذكرة التفاهم بشأن الغاز الطبيعي خطوة أساسية لزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
خلال لقائه مع وزير البترول المصري، أكد المهندس كريم بدوي على اهتمام بلاده بملف الطاقة في لبنان، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي ونتيجة لزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت مؤخرًا. وأشار إلى أن التعاون بين البلدين في مجال الغاز سيكون ثمرة العلاقات القوية بينهما.
وأكد الوزير بدوي أن مصر ستوفر كل الدعم للبنان في قطاع الطاقة، من خلال تبادل الخبرات والإمكانات، خاصةً في مجالات استكشاف وإنتاج ونقل وتوزيع الغاز. كما سيتم إنشاء مجموعات عمل مشتركة لتنسيق الجهود وتحديد الاحتياجات اللبنانية.
من المتوقع أن تبدأ المجموعات العاملة المشتركة في تقييم البنية التحتية الحالية وتحديد الخطوات اللازمة لتنفيذ مشاريع الغاز الطبيعي في لبنان. وستركز الجهود على إعادة تأهيل خطوط الأنابيب القائمة وتأمين التمويل اللازم. يبقى التحدي الأكبر هو الحصول على الموافقات والتنسيقات اللازمة من الجانب السوري، وهو ما سيحدد الجدول الزمني لتنفيذ المشروع بشكل كامل.













