وصل وفد تركي رفيع المستوى إلى دمشق، بقيادة وزير الخارجية هاكان فيدان، لمناقشة آخر التطورات المتعلقة بتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار 2025، والذي يمثل نقطة تحول في العلاقات التركية السورية. وتأتي هذه الزيارة في ظل تزايد المخاوف الأمنية في جنوبي سوريا، وتأكيد أنقرة على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو ما يمثل محوراً أساسياً في ملف الأمن القومي التركي.
وأكدت الخارجية التركية أن الزيارة تهدف إلى متابعة تنفيذ الاتفاق المذكور، والذي يركز بشكل خاص على معالجة التهديدات الأمنية التي تطال تركيا من الأراضي السورية. كما ستتناول المحادثات الوضع المتدهور في جنوبي سوريا، في ضوء التصعيد الإسرائيلي المستمر، وتأثيره المحتمل على الاستقرار الإقليمي.
متابعة اتفاق 10 مارس/آذار والأمن القومي التركي
يُعد اتفاق 10 مارس/آذار 2025، الذي تم التوصل إليه برعاية روسية، خطوة هامة نحو تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة بعد سنوات من الصراع. وينص الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري، وإعادة السيطرة الحكومية على المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في شمال شرقي سوريا.
وحذر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في وقت سابق من هذا الأسبوع، قسد من أي تأجيل إضافي لتنفيذ الاتفاق، مشدداً على أن صبر الأطراف المعنية بدأ ينفد. وأشار إلى أن استمرار الوضع الحالي يهدد الوحدة الوطنية السورية، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية قد تعرقل جهود الاستقرار.
المخاطر الأمنية في جنوب سوريا
تعتبر المخاطر الأمنية في جنوب سوريا من القضايا الرئيسية التي تثير قلق تركيا. فقد شهدت المنطقة تصعيداً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، مع استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع يُزعم أنها تابعة لفصائل إيرانية موالية للنظام السوري.
وتخشى أنقرة من أن يؤدي هذا التصعيد إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، وزيادة تدفق اللاجئين السوريين إلى الأراضي التركية. كما تخشى من أن تستغل الفصائل المتطرفة حالة الفوضى وعدم الاستقرار لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يهدد الأمن التركي.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا الغنية بالنفط والقمح، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في المشهد السوري. وتعتبر تركيا هذه القوات امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تعتبره منظمة إرهابية.
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت في مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق ينص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز. ويهدف هذا الاتفاق إلى إعادة دمج هذه المناطق في الدولة السورية، وتعزيز سيادة الحكومة المركزية.
وتشمل الأهداف الرئيسية للاتفاق أيضاً مكافحة الإرهاب، ودعم عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
من الجانب التركي، تسعى أنقرة إلى ضمان أمن حدودها، ومنع أي تهديدات محتملة من الأراضي السورية. كما تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا، وإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب. وتعتبر قضية اللاجئين السوريين في تركيا من القضايا الحساسة، وتسعى أنقرة إلى إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة.
الوضع الإقليمي يمثل أيضاً عاملاً مهماً في هذه التطورات. فقد شهدت المنطقة تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، مع تزايد النفوذ الإيراني، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. وتسعى تركيا إلى لعب دور بناء في المنطقة، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة.
من المتوقع أن تستمر المحادثات بين الوفد التركي والمسؤولين السوريين في دمشق خلال الأيام القادمة. وستركز هذه المحادثات على وضع جدول زمني واضح لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار، ومعالجة القضايا العالقة، وتحديد الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون الثنائي.
يبقى مستقبل العلاقات التركية السورية غير مؤكد، ويتوقف على مدى التزام الأطراف ببنود الاتفاق، وقدرتهم على تجاوز الخلافات والتحديات القائمة. وستظل التطورات في جنوب سوريا، والوضع الإقليمي، من العوامل الرئيسية التي ستؤثر على مسار هذه العلاقات.












