بينما يختتم النظام التجاري العالمي عامًا حافلًا بالتحولات، يستعد عام 2026 لمواجهة تحديات إضافية تهدد الاستقرار والنمو. تشهد التجارة العالمية تصاعدًا في الحمائية، وإعادة هيكلة لسلاسل الإمداد، وتراجعًا في فعالية الاتفاقيات التجارية الكبرى، وفقًا لتحليل شامل نشرته وكالة بلومبيرغ. على الرغم من استمرار حجم التجارة السلعية بشكل نسبي خلال عام 2025، إلا أن المؤشرات الداخلية تشير إلى اختلالات متزايدة قد تجعل العام القادم عامًا آخر من الاضطرابات.
تأتي هذه التحديات في ظل استمرار تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وعدم وجود آليات واضحة لإنفاذ العديد من التفاهمات التجارية الحديثة. كما أن مراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (USMCA) تضيف طبقة أخرى من عدم اليقين إلى المشهد التجاري العالمي.
صمود ظاهري وتحولات خفية في التجارة العالمية
تشير بيانات الشحن إلى أن كميات الحاويات العالمية ارتفعت بنسبة 2.1% في أكتوبر مقارنة بالعام السابق، مما يعكس مرونة ظاهرية في التجارة الدولية. ومع ذلك، يخفي هذا الرقم تباينات حادة، حيث شهدت الولايات المتحدة انكماشًا بنسبة 8% في الواردات، بينما سجلت أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والهند نموًا قويًا.
ويرى خبراء الشحن أن سلاسل الإمداد العالمية بدأت بالفعل في التكيف وإعادة تشكيل أنماط التجارة. ويعتبر ما شهده عام 2025 من تصاعد للرسوم الجمركية بمثابة مقدمة لتداعيات ستظهر بشكل كامل في عام 2026، حيث تنتقل آثارها من الأرقام إلى البنية الفعلية للتجارة.
اختبار صعب لسلاسل الإمداد العالمية
من المتوقع أن يشهد عام 2026 صدمتين محتملتين في سلاسل الإمداد. الأولى تتعلق بالبحر الأحمر وقناة السويس، حيث قد يؤدي أي تحسن في الوضع الأمني إلى عودة السفن إلى مسارها الطبيعي، مما قد يؤدي إلى “إغراق السوق بطاقة شحن إضافية” وازدحام الموانئ الأوروبية. أما الصدمة الثانية، فقد تكون مدفوعة بالطلب، حيث أن أي تسارع قوي في الاقتصاد الأميركي قد يؤدي إلى موجة إعادة تخزين للمخزونات تتجاوز قدرة قطاع الشحن على الاستيعاب.
بالإضافة إلى ذلك، ستبدأ الولايات المتحدة وكندا والمكسيك مراجعة اتفاقية “أمريكا الشمالية للتجارة الحرة” في عام 2026. وأشار الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير إلى أن هذه المراجعة ستفتح آفاقًا جديدة، مع تلقي أكثر من 1500 تعليقًا خلال الفترة المخصصة لذلك.
تحديات إضافية تواجه التجارة
تتزايد التوترات بين الولايات المتحدة وكندا، بعد أن أنهت واشنطن محادثات تجارية معها ردًا على حملات إعلامية مناهضة للرسوم. كما أن الهدنة التجارية مع الصين لا تتجاوز عامًا واحدًا، مما يترك أكبر علاقة تجارية غير متوازنة في العالم من دون حل جذري.
وتشير التقارير إلى أن العديد من الصفقات التجارية التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية خلال عام 2025 ليست اتفاقيات ملزمة تقليدية، بل تفاهمات سياسية تفتقر إلى آليات إنفاذ واضحة. ويزيد من هذا الغموض قرار المحكمة العليا الأميركية بشأن قانونية الرسوم “المتبادلة” التي فرضها ترامب، حيث أن خسارة الإدارة للقضية قد تتطلب إعادة مليارات الدولارات من الرسوم للمستوردين الأميركيين.
مستقبل التجارة العالمية: حالة من عدم اليقين
في ظل هذه الظروف، يبدو عام 2026 بعيدًا عن الاستقرار. من المتوقع أن يشهد العالم إعادة رسم لخريطة التجارة الدولية، في بيئة تتآكل فيها القواعد التقليدية، وتتقدم فيها الاعتبارات السياسية على منطق السوق. يجب مراقبة تطورات مراجعة اتفاقية USMCA، وقرار المحكمة العليا بشأن الرسوم الجمركية، وأي تطورات جديدة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لتقييم المسار المستقبلي للتجارة العالمية.
من المهم أيضًا متابعة تطورات سلاسل الإمداد العالمية، وتقييم تأثير أي صدمات محتملة على التجارة. كما يجب الانتباه إلى أي تغييرات في السياسات التجارية للدول الكبرى، والتي قد تؤثر على التجارة الدولية بشكل عام.













