دمشق – اعتبر خبراء اقتصاديون ومسؤولون سوريون أن إلغاء قانون قيصر الأمريكي، الذي فرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على سوريا منذ عام 2019، يمثل خطوة هامة نحو التعافي الاقتصادي وإعادة دمج البلاد في النظام المالي العالمي. يأتي هذا التطور بعد قرار اتخذه مجلس النواب الأمريكي مؤخرًا، مما أثار توقعات بتحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية في سوريا على المدى المتوسط.
وأظهرت المؤشرات الأولية تأثيرًا فوريًا لهذا الإلغاء، حيث ارتفعت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار بنسبة تقدر بحوالي 6% في اليوم التالي للإعلان، مع توقعات باستمرار هذا التحسن خلال الأيام القادمة. يعكس هذا الارتفاع حالة من التفاؤل الحذر في الأسواق السورية، مدفوعةً بتوقعات بتدفق الاستثمارات وتحسن التجارة الخارجية.
تأثير إلغاء قانون قيصر على الاقتصاد السوري
يرى الخبراء أن الأثر المباشر لإلغاء قانون قيصر سيكون في تخفيف القيود على التجارة الخارجية، مما يسمح بزيادة حجم الواردات وتنوعها. من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة المنافسة بين الشركات وخفض أسعار بعض السلع الأساسية، وهو ما سينعكس إيجابًا على القدرة الشرائية للمواطنين.
توقعات قصيرة الأجل
على الرغم من التفاؤل، يؤكد الباحث الاقتصادي ملهم جزماتي أن العوامل النفسية قد تلعب دورًا أكبر من التطورات الاقتصادية الفعلية في المدى القصير. فإلغاء القانون يُنظر إليه كإشارة سياسية إيجابية، مما قد يدفع إلى تراجع الخوف من العقوبات وتشجيع المتعاملين على تقليل الاعتماد على الدولار.
ومع ذلك، يوضح جزماتي أن هذا التحسن قد يكون مؤقتًا ما لم يصاحبه زيادة حقيقية في الإنتاج وتحسن في مؤشرات السوق. فالتوقعات وحدها لا تكفي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
آثار محتملة على الاستثمار والتوظيف
يشير الخبير الاقتصادي زكي محشي إلى أن إلغاء العقوبات سيؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي ومنح الشركات القدرة على توفير احتياجاتها من البضائع والخدمات بسهولة أكبر. ويتوقع زيادة في حجم المستوردات، مما يخلق فرصًا للتوظيف في قطاعات مثل الخدمات اللوجستية والنقل.
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع محشي زيادة في التحويلات المالية من الخارج، مما سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للأفراد والعائلات السورية. كما أن انفتاح الأسواق الخارجية سيشجع المنتجين المحليين على زيادة صادراتهم، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي.
التعافي الاقتصادي على المدى المتوسط
يؤكد الخبراء أن الانخفاض الحقيقي في الأسعار لن يتحقق إلا على المدى المتوسط، وذلك لارتباطه بعوامل أعمق من مجرد تحسن سعر الصرف. من بين هذه العوامل تراجع تكاليف الاستيراد بشكل فعلي، وتحسن المنافسة في السوق، واستقرار السياسات المالية والنقدية.
ويرى الدكتور إبراهيم قوشجي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، أن إلغاء قانون قيصر سيمهد الطريق لمشاريع إعادة الإعمار والاستثمارات الجديدة، مما سيخلق آلاف الوظائف في قطاعات البناء والصناعة والخدمات. كما سيساهم في تحسين القدرة على الحصول على تمويل خارجي لتطوير البنية التحتية الأساسية، مثل شبكات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
ويصف قوشجي هذا الإلغاء بأنه “لحظة فارقة” في التاريخ الاقتصادي السوري، مؤكدًا أنه يضع الأساس لمرحلة إعادة إعمار شاملة. ويتوقع أن يبدأ المواطن السوري في ملامسة الآثار الإيجابية لهذا الإلغاء على معيشته من خلال تحسن الدخل وتوفر الوظائف وعودة الخدمات الأساسية.
عودة سوريا إلى المنظومة المالية العالمية
يتفق الخبراء على أن إلغاء قانون قيصر يفتح الباب أمام القطاع المصرفي السوري للعودة إلى المنظومة المالية العالمية، ولكن ذلك يتطلب تحديثًا شاملًا للبنية الداخلية للقطاع المصرفي والالتزام بالشروط والمعايير الدولية. إعادة ربط البنوك السورية بشبكات التحويل الدولية مثل “سويفت” تعتبر خطوة أساسية في هذا الاتجاه.
ويشير قوشجي إلى أن تدفق رؤوس الأموال عبر التحويلات الخارجية والاستثمارات المباشرة سينتعش مجددًا، مما سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي العام. ومع ذلك، يؤكد على ضرورة تحديث الأنظمة المصرفية المحلية ورفع مستوى الشفافية واعتماد معايير الامتثال الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
في الختام، يمثل إلغاء قانون قيصر فرصة تاريخية لتحقيق التعافي الاقتصادي في سوريا وإعادة دمجها في النظام المالي العالمي. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الفرصة يتطلب جهودًا متواصلة لتحديث البنية الاقتصادية والمالية للبلاد، والالتزام بالشروط والمعايير الدولية. من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة المزيد من التطورات في هذا المجال، بما في ذلك إجراءات لتسهيل الاستثمار وتنشيط التجارة الخارجية، بالإضافة إلى محاولات لإعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي السوري. يبقى التحدي الأكبر هو ضمان استدامة هذا التعافي وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام يخدم مصالح جميع السوريين.













