لم تتشكل هوليود الحديثة عبر الأفلام وحدها، بل عبر سلسلة من الصفقات الكبرى التي أعادت رسم خريطة القوة داخل الصناعة الأضخم في العالم. فقد دخلت الإستوديوهات في سباق محموم للاستحواذ على شركات الإنتاج والمكتبات السينمائية وحقوق الشخصيات والعلامات التجارية منذ العقد الأول من الألفية الجديدة، وذلك في محاولة للهيمنة على المستقبل وسط تغيّر نماذج المشاهدة وانتشار البث الرقمي. هذه التغييرات الكبيرة في الاستحواذ على شركات السينما أثرت بشكل كبير على طبيعة صناعة الأفلام.
هذه الصفقات لم تغيّر فقط ملكية الشركات، بل أعادت تعريف معنى الفيلم والنجاح السينمائي والسوق العالمية. فجأة لم يعد الفيلم مجرد عمل إبداعي مستقل، بل جزء من منظومة اقتصادية متكاملة تمتد من شباك التذاكر إلى المنصات الرقمية والحدائق الترفيهية وتصنيع الألعاب والملكية الفكرية والتنويع السردي. شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية في هيكل صناعة الترفيه.
صفقات غيّرت ملامح صناعة السينما
منذ بداية الألفية الجديدة، شهدت هوليود سلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ غير المسبوقة. أدت هذه الصفقات إلى ترسيخ قوة عدد قليل من الشركات العملاقة، وتغيير طريقة إنتاج الأفلام وتوزيعها واستهلاكها. تعتبر هذه الصفقات بمثابة نقاط تحول جوهرية في تاريخ السينما التجارية، ومن أبرزها استحواذ ديزني على بيكسار عام 2006، ثم مارفل عام 2009، ولوكاس فيلم عام 2012، وفوكس عام 2019، وصفقة “إيه تي آند تي” مع وارنر، التي مهدت الطريق لعصر جديد.
ديزني-بيكسار 2006
كانت بيكسار قد تحولت إلى قوة إبداعية هائلة في بداية القرن الـ21، وذلك بفضل سلسلة من الأفلام التي حققت تطورا هائلا في الرسوم المتحركة، ومنها “قصة لعبة”. وفي المقابل كانت ديزني تواجه أزمة وتراجعا في الابتكار.
أعلنت ديزني، في بداية عام 2006، عن شراء بيكسار مقابل 7.4 مليارات دولار. لم تشأ ديزني ابتلاع بيكسار، بل أرادت الاستفادة من ثقافتها التقنية والفنية. أدت هذه الصفقة إلى تحديث شامل لإستراتيجية ديزني في الرسوم المتحركة، ونتج عنها أفلام ناجحة مثل “وول-إي” و”أعلى”.
ديزني-مارفل 2009
قبل الاستحواذ كانت مارفل شركة عملاقة في الرسوم المتحركة، لكنها كانت متعثرة في السينما. وفي 2009 أعلنت ديزني شراء “مارفل إنترتينمينت” مقابل 4 مليارات دولار. بدأت ديزني بناء الكون السينمائي، لتغير شكل الصناعة عبر إنتاج سلسلة أفلام مترابطة.
أدى نجاح أفلام مارفل إلى تغيير لغة التسويق والتوزيع، حيث أصبحت الشركات تستثمر في عالم كامل وليس في فيلم واحد. أصبحت ديزني أكبر مالك للمحتوى السينمائي، مما دفع منافسيها إلى إعادة حساباتهم.
لوكاس فيلم 2012
في 2012، اشترت ديزني شركة لوكاس فيلم مقابل مبلغ كبير. لم تكن الصفقة مجرد توسيع لمكتبة محتوى، بل كانت بداية اندماج بين التكنولوجيا والمحتوى. حصلت ديزني على حقوق عالم “حرب النجوم”، مما سمح لها بتوسيع نطاق العلامة التجارية إلى مجالات أخرى مثل الألعاب والحدائق الترفيهية.
أصبحت لوكاس فيلم حجر أساس في تحويل ديزني من شركة أفلام إلى إمبراطورية ترفيهية متعددة المنصات. أدى ذلك إلى صعود نموذج يعتمد على تقديم المحتوى مباشرة للمستهلك عبر الإنترنت.
ديزني-فوكس للقرن الـ21/ 2019
في 2019، أكملت ديزني شراء الأصول الرئيسية لـ “فوكس 21” مقابل 71.3 مليار دولار. جعلت تلك الصفقة ديزني أكبر مالك للمحتوى السينمائي والتلفزيوني في العالم، وأضافت مكتبة محتوى هائلة إلى محفظتها.
أدت الصفقة إلى تعزيز مكانة ديزني في سوق البث الرقمي، وسمحت لها بإطلاق خدمة “ديزني+” بمجموعة واسعة من الأفلام والبرامج التلفزيونية. أجبرت هذه الخطوة شركات أخرى على التنافس في هذا المجال الجديد.
إيه تي آند تي-تايم وارنر/ وارنر ميديا 2018
شكلت صفقة “إيه تي آند تي-تايم وارنر” بداية اندماج بين التكنولوجيا والمحتوى. اشترت “إيه تي آند تي” شركة تايم وارنر لتجمع المحتوى مع شبكة البث والتوزيع. كانت الصفقة بمثابة علامة أولى لتغيير معادلة الصناعة، حيث أصبح مزود الخدمة هو أيضا منتج المحتوى.
أدت الصفقة إلى إنشاء “وارنر ميديا”، ثم “إتش بي أو” و”ماكس”، وصعود نموذج يعتمد على تقديم المحتوى مباشرة للمستهلك عبر الإنترنت. مهدت هذه الخطوة الطريق لدخول شركات تكنولوجيا أخرى مثل “آبل” و”أمازون برايم” إلى سوق إنتاج المحتوى.
مستقبل عمليات الاستحواذ في صناعة السينما
من المتوقع أن تستمر عمليات الاندماج والاستحواذ في صناعة السينما في السنوات القادمة، مع سعي الشركات إلى تعزيز مكانتها في سوق البث الرقمي. من المرجح أن نشهد المزيد من التنافس بين الشركات العملاقة على امتلاك حقوق الملكية الفكرية، وتوسيع نطاق خدمات البث الخاصة بها. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الصفقات ستؤدي إلى زيادة الابتكار والتنوع في صناعة الأفلام، أم إلى ترسيخ قوة عدد قليل من الشركات العملاقة.













