غيّر ألبرت أينشتاين الأفكار التي كانت سائدة عن طبيعة الكون. ومع تعمّقه في الفيزياء التي أحدث فيها ثورة علميّة كبيرة، ابتكر العالم الألماني نظريات رسمت تصورًا جديدًا للفضاء.
العالم المولود في 14 مارس 1879 في مدينة أولم بألمانيا، نشر رسميًا نظريته العامة للنسبية عام 1916.
وتقول النظرية أن تفسير الجاذبية يتطلّب انحناء الزمان والمكان حول الأجسام الضخمة، مثل النجوم والكواكب والثقوب السوداء. لم يطل به الوقت حتى حاز جائزة نوبل الفيزياء عام 1922.
سيرة علميّة يصعب اختصارها بسنوات محدّدة، أو بشهادات معيّنة. وقال روجر هايفيلد، مدير متحف العلوم عام 2019: “من وجهة نظري، تُعد النظرية العامة للنسبية لآنشتاين واحدة من أعظم إنجازات العقل البشري.”
ولا تزالنظريات أينشتاين تخضع للاختبار حتى يومنا هذا. ففي عام 2019، كشف العلماء عن أول صورة حقيقية يتم التقاطها لثقب أسود. وقد شكّلت هذه الصورة دليلاً جديدًا يؤكد جانبًا آخر من نظرية أينشتاين العامة للنسبية، إلى درجة أنّ آينشتاين كان قد تنبّأ حتى بالشكل المتناسق والدقيق لذلك الجسم.
وأضاف هايفيلد: “من المدهش أننا وبعد أكثر من قرن من الزمان، لا زلنا نحتفي بشخص كرّس فكره لفهم آلية عمل الكون. وقد تطلب الأمر منا كل هذا الوقت والتقدم التكنولوجي، وصولًا إلى بناء تلسكوب افتراضي بحجم كوكب الأرض، فقط لوضع أفكاره تحت الاختبار. يا له من أمر مذهل.”
ولا تنطوي شخصية آينشتاين فقط على جانب علميّ مذهل، بل أيضا على مواقف سياسية ميّزته في مختلف المراحل، وما زالت إلى اليوم تقدّم مؤشرات عن تفكيره الإنسانيّ الشامل.
ففي عام 1933 تخلّى عن جنسيته الألمانية بعد أن أصبح النازي أدولف هتلر مستشاراً لألمانيا. غادر إلى الولايات المتحدة، ويقي هناك حتى توفي عام 1955.
ومن اللافت ما تشير إليه الوثائق هو موقفه من تولي منصب رئيس حكومة إسرائيل. ففي تشرين الثاني /نوفمبر من العام 1952 وقع اختيار السلطة الإسرائيلية على آينشتاين كرئيس وزراء بديل لحاييم وايزمن بعد وفاته.
وقد استعان رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها ديفيد بن غوريون بالدبلوماسي آبا إيبان لإبلاغ آينشتاين بالعرض، مع اشتراط أمرين: “قبول الجنسية الإسرائيلية، والانتقال للعيش في إسرائيل”.
رفض آينشتاين العرض، وشرح رفضه بما يلي: ” تأثرت بشدّة بالعرض الذي تقدمه لي دولة إسرائيل، لكني تعاملت طوال حياتي مع مسائل موضوعية، كما أني أفتقر إلى الكفاءة والخبرة اللتين تؤهلانني للتعامل بشكلٍ صحيح مع الناس، وممارسة المهام الرسمية، لهذا، قد لا أكون الشخص المناسب لأداء واجبات هذا المنصب الرفيع”.
تبدو هذه الأسباب ظاهرية وتدلّ على لياقة آينشتاين، لكن بالعودة إلى الماضي السابق لإعلان قيام إسرائيل عام 1948، فإن آينشتاين على الأرجح لم يكن من داعمي هذا المشروع.
ففي العام 1946 لم يخفِ العالم البارز أن فكرة دولة إسرائيل لا تنسجم مع قناعاته ورغباته، وقال حينها “لا أفهم الحاجة إلى دولة كهذه”. ولم يكن آينشتاين من داعمي الدول القومية، ومن هذا المنطلق على الأرجح، رفض دعم قيام إسرائيل “كوطن قومي لليهود”. كما أنّه كان مستاءً من الفكرة القومية التي “دمّرت أوروبا” برأيه، واعتبر أنّه “لا يجب تقليدها”.
كما رفض آينشتاين فكرة تأسيس وطن قومي لليهود، فالدولة القومية في نظره هي فكرة رديئة، وقال في ذلك: “لقد عارضتُها على الدوام. إننا نقلّد أوروبا، والذي دمَّر أوروبا في النهاية هو القومية”.
كانت له هذه المواقف رغم علاقاته المميزة بقادة الحركة الصهيونية. ومما تنقله الوثائق عن آينشتاين رسالته إلى حاييم وايزمان عام 1929، التي نبّه فيها إلى ضرورة “التعاون الشريف والحوار الصادق مع العرب”، وإلّا “نكون لم نتعلم شيئا من معاناة ألفي سنة ونستحق ما يحصل لنا بعد ذلك”.
وقد انتقد لاحقا الحركة الصهيونية لاحقا، معربا عن تأثره مما لحق بأهل الأرض، وقد قال: “الصهيونية تفعل بالعرب الفلسطينيين أكثر مما فعلته النازية باليهود، وهذا يتسبب لي بحزن عميق”.