•• حين نجرِّد تلك القامات من ملعبها القديم الفسيح بقلة وفائنا؛ نجعلهم يتألمون عند استرجاع ذكرى مجدهم السابق.. وحين نستعمر كيان إحساسهم بقلة بِرنا؛ نوجعهم في قلوبهم وذاكرتهم معاً.. وحين نتلذذ بإيذاء مشاعرهم بقصد أو بغير قصد؛ نحيلهم إلى أنين تختلط فيه الذكرى والنصب داخل ذاكرتهم المفتوحة.. وحين نضع أمامهم سلسلة لا متناهية من الخيبات؛ نشعرهم أنهم خارج الزمن بنصف حياة.
•• هؤلاء الرجال بهذا الجفاء الذي زفَّه إليهم من لم يعِ مفهوم معانقة الصدق والأصالة؛ اختلط خيالهم النقي بغصة في قلوبهم ولعثمة في أرواحهم، أيقظتا في أعماقهم حسرة على سنين مضت لن تعود.. هؤلاء العظام الذين عانوا غدر صداقات قديمة لا تصاحب أحداً إلا للمصلحة أو الضحك و«الفرفشة»؛ أحدث ثقباً غائراً في أرواحهم.. ومع تلك المعاناة المريرة لم تتصحَّر معاني حياتهم.
•• «الوفاء» ليس كنزاً يحتاج إلى حفر التربة لاستخراجه؛ بل «رباط» نحن من نصنع خيوطه الجميلة.. ومن أهم الوفاء مع «أصدقاء العُمر»؛ إيقاظ «لغة الحواس» من براكينها الخامدة في دواخلنا تجاههم.. وإن أردنا إعادة برمجة إخلاصنا لهم؛ فعلينا جبر خواطرهم بملء أرواحهم بعطر أيامهم القديمة ليتعطَّر مشوار حياتهم الباقية.. إن لم نفعل سوف نزيد من ثقل معاناتهم فتصبح دموعهم مؤهلة للانفجار.