تتصدر الأزمة العقارية قائمة التحديات الهائلة التي يواجهها الاقتصاد الصيني خلال السنوات الأخيرة وخصوصاً بعد جائحة كورونا التي انطلقت من الصين نهاية عام 2019، وأدت إلى تباطؤ وتيرة نموه، وانخفاض ثقة المشترين والمستثمرين نتيجة للمشاريع العقارية التي لم يتم الانتهاء منها والانخفاض الكبير في الأسعار.
وفيما لم تفلح الحكومة بإنعاش الطلب على الإسكان مع استمرار معاناة كبرى شركات التطوير العقاري من أزمات السيولة، يؤكد وزير الإسكان الصيني ني هونغ في تصريح نقلته شبكة “سي إن بي سي” بأن “شركات التطوير العقاري يجب أن تفلس إذا لزم الأمر”، ما يعطي إشارة واضحة بأن السلطات تتجه للتخلي عن تحفيز الشركات المتعثرة.
لم يكتف وزير الإسكان بالإشارة إلى ترك الشركات المتعثرة لتواجه مصيرها بالإفلاس، بل يلمح صراحة إلى أنهم سيعاقبونها عندما قال إن “أولئك الذين يرتكبون أفعالاً تضر بمصالح الجماهير سيتم التحقيق معهم بحزم ومعاقبتهم وفقا للقانون، وسيتم إجبارهم على دفع الثمن المستحق”.
ويأتي تصريح الوزير الصيني في الوقت الذي تخلفت فيه كبرى شركات التطوير العقاري عن سداد ديونها مثل “إيفرغراند” و”كانتري غاردن”، وأدى أدى انخفاض مبيعات المنازل الجديدة إلى التشكيك في مستقبل الأعمال.
وأمام التوجه المفاجئ لتعامل الحكومة الصينية مع الأزمة العقارية، بعد أن كانت تعمل على تحفيز القطاع الذي يشكل نحو 25 بالمئة من حجم الاقتصاد الصيني ويعد رافداً أساسياً لنموه التاريخي على مدى ثلاثة عقود إلى جانب القطاع الصناعي، يبرز تساؤل مشروع مفاده.. أيهما أفضل لحل أزمة القطاع العقاري الصيني تحفيز الشركات المتعثرة أم إعلان إفلاسها وإعادة هيكلتها؟
التحفيز ليس حلاً دائماً
يقول الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” طارق الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن مشكلة الصين مع ديون الشركات المتعثرة في القطاع العقاري أكبر من إجراءات التحفيز التي اتخذتها الحكومة.
ويضيف: “صحيح أن الحكومة تستطيع دعم بعض الشركات، وهو ما لاحظناه نتيجة التحفيز حيث تم اختيار بعض الشركات لمساعدتها وإنقاذها من الإفلاس وليس كل الشركات، فالمحفزات الحكومية ليست حلاً دائماً وخصوصاً أن ديون الشركات العقارية كبيرة”.
“الحل الوحيد أن هو أن تترك الحكومة هذه الشركات لمصيرها وتعلن إفلاسها، ومن ثم تتم إعادة الهيكلة للقطاع العقاري ككل، فهو القطاع الأكبر من حيث الحجم في الاقتصاد الصيني وكثير من الأفراد يستثمرون جزءاً كبيراً من أموالهم فيه”، وفقاً للرفاعي.
وأضاف الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية”: “المشكلة العقارية تؤثر على جميع الأفراد في الصين وهذا بدوره يؤثر على نمو اقتصاد البلاد، لذلك أعتقد أن التحفيز الحكومي لن يكون الحل للأزمة العقارية، لأن تأثيراته ستكون مؤقتة”.
في عام 2020، اتخذت بكين إجراءات صارمة ضد اعتماد المطورين الكبير على الديون لتحقيق النمو في محاولة لتضييق الخناق على المضاربات في سوق العقارات. ولكن سرعان ما نفدت الأموال لدى العديد من المطورين لإنهاء بناء الشقق، والتي يتم بيعها عادة لمشتري المنازل في الصين قبل اكتمالها، وتوقف بعض المشترين عن دفع رهونهم العقارية، وأعلنت السلطات منذ ذلك الحين عن إجراءات لتزويد بعض المطورين بالتمويل.
في تقرير عمل الحكومة قال رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ في الأسبوع الماضي خلال اجتماعات البرلمان السنوية : “إن الصين في العام المقبل سوف تتحرك بشكل أسرع لتعزيز نموذج تنمية جديد للعقارات، سنعمل على توسيع نطاق بناء وتوريد المساكن المدعومة من الحكومة وتحسين الأنظمة الأساسية للإسكان السلعي لتلبية حاجة الناس الأساسية لمنزل يعيشون فيه ومطالبهم المختلفة للحصول على سكن أفضل”.
الحل بترك الشركات تواجه عواقب الخسارة
من جهته، يتفق الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، علي حمودي، مع ما قاله وزير الإسكان الصيني، وقال في حديثه لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لا ينبغي للحكومة أن تقوم بإنقاذ الشركات التي تدار بشكل سيء والتي ربما تكون قد اقترضت أكثر بكثير مما تستطيع تحمله”.
ويتابع حمودي: “من أجل أسواق صحية وفعالة، وأمام واقع هذه الشركات المتعثرة وحجم المستثمرين فيها، فإنه إذا لم تتم إعادة هيكلتها، فيجب تركها لمواجهة عواقب تحمل الخسارة”.
وهذا ليس بالجديد، إذ أن أزمة الديون العقارية في الصين كالنت قد أدت بالفعل إلى انهيار شركة العقارات العملاقة إيفرغراند، التي تخضع حالياً للتصفية، كما تواجه شركة “كانتري غاردن” وهي شركة عقارية عملاقة أخرى، التماساً بالتصفية تم تقديمه في هونغ كونغ والذي سيتم الاستماع إليه في شهر مايو المقبل، طبقاً لما قاله حمودي.