ويؤكد، أن الأديان تباينت نظرتها إلى اللباس، إلا أنها تشترك في اعتباره ستاراً وفي التعامل معه من خلال أخلاقية الستار. ولما كان الستار يستمد معناه مما يستره، ومن السبب الذي من أجله يستره، فإن أخلاقية اللباس كستار تعكس تصوراً محدداً للجسد وموقفاً محدداً منه. فالنظرة الدينية إلى اللباس هي نظرة إلى اللباس والجسد معاً. وفي تعبير أدق، هي نظرة إلى الجسد من خلال ستار واجب، يعتمد مبادئ النفس الأمارة بالسوء والخطيئة وقمع النزوات، فيما موقف الدِّين من وظيفة اللباس الأخلاقية؛ يضيّق على الرأسمالية مجال تحركها في إنتاج الملابس والتفنن في أشكالها وأصنافها وفي طرق استهلاكها. فتتوجه حينئذ نحو الاشتغال على تزويد فلسفة الجسد بمنطق السلعة، لكي تضعف، إن لم نقل لكي تقوض، المستند النظري لسياسة الدين في شأن اللباس.
ويلفت نصار إلى أن الرأسمال ذكي بما فيه الكفاية حدّ استيعاب أنه ليس المحدد المنفرد لسياسة اللباس في المجتمع، وأنه ينتج الملابس بهدف الاستهلاك على أوسع نطاق ممكن، ويوظف في هذا النشاط جملة من المعايير الخاصة المتناسبة مع طبيعة الموضوع، إلا أنه لا يتحكم تحكماً تاماً في منظومة المعايير الجمالية والأخلاقية التي تواكب صناعة الملابس واستهلاكها. ولذلك يلجأ بواقعيته وبراغماتيته وطموحه الأناني اللامحدود إلى اللعب على سياسة المراعاة والتكيف من جهة، وسياسة الضغط والتكييف من جهة أخرى.
واستحضر نصّار آلهة الحب والجمال في بلاد الرافدين (عشتار) ليمنحها هوية إنسانية، ويتذرع بها في محاورته؛ ليخط فصول الحكاية، ويلفت انتباه القارئ إلى مجادلة فلسفية؛ يمكن ربطها بالحياة اليومية، وعشتار تحاكي شهرزاد من خلال سرد طفولتها وتفاصيل مجتمعها عبر مراحله، لتغدو ممثلة للناس والمجتمع والعصر، فيحتفي الفيلسوف بعبارة عشتار «المساواة في العري عند الولادة»، معتبراً أن هذه العبارة مفتتح لفهم اللباس والعري وظاهرتهما، كون «العري حالة انكشاف تضعها الطبيعة في عهدة الإنسان منذ لحظة ولادته، في حين أن اللباس حالة تغطية مخصوصة يصنعها الإنسان ويتعهدها في إطار الثقافة».
وأوضح، أن التغطية بمعناها البسيط ليست سوى بسط غطاء على شيء معين بطريقة معينة لغرض معين، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالجسم البشري، فإنه من الواضح أن مفعول التغطية يجري في منطقتين داخلية وخارجية، الداخلية تقع بين الجسم واللباس، والخارجية تقع بين اللباس وجملة المحيط الذي يتفاعل معه حامل اللباس، سواء كان المحيط الطبيعي أو المحيط الاجتماعي، مشيراً إلى التمييز بين نوعين من الوظائف المرتبطة باستخدام اللباس، الوظائف الأساسية العامة، والوظائف الإضافية الخاصة، وما يبتغيه الناس إجمالاً من ثيابهم في الاحتفالات والأعياد والمزاولات المهنية، أو في بعض الحقول من نشاطهم الاجتماعي، وما يبتغونه بها في مجرى الحياة العادية، ما يؤكد ثبات وظائفها في جميع الأحوال والظروف، كالحماية الضرورية للجسم من تأثيرات المناخ والطقس السلبية.
ويرجح أنه يمكن إرجاع الوظائف الأساسية العامة التي تفرض نفسها على ثقافة اللباس إلى ثلاث وظائف، اقترح تسميتها بالوظيفة الصحية؛ والوظيفة التشكيلية؛ والوظيفة الأخلاقية، مضيفاً أنه ليس من الخطأ الاعتقاد بأن الوظيفة الصحية تتقدم على غيرها من الوظائف في المجرى العام لظاهرة اللباس، فحماية الجسم من مخاطر البيئة الخارجية ضرورة حياتية أولية، في ظل حكم منظومات من المخاوف والاحتياجات، في مقدمتها تلك التي تتعلق بالجوع والمأكولات، وتلك التي تتعلق بالعري والملبوسات، وتلك التي تتعلق بالعراء والمساكن. ونحن نسعى على الدوام إلى التجاوب مع مقتضيات تلك المنظومات بالوسائل المناسبة الممكنة التي نتزود بها من مخزون الثقافة. ولذلك ليس من تناقض في ربط ظاهرة اللباس كحالة ثقافية بوظيفة أصلية مضمونها بيولوجي.
ويتيح نصار طرح عدد من الأسئلة، حول ما يترتب على اللباس من أحكام قيمية، منها (الحشمة) والتفاوت في اقتناء الملابس واستهلاكها، من زاوية الحرص على روح العدل والاعتدال في سياسة اللباس. ويرى، أن ظاهرة التفاوت لا يمكن القضاء عليها بل يمكن ضبطها وتهذيبها، ودعا للاستعانة بالعقل النقدي للتصدي لتيار الليبرالية الشهوانية (في كيفية ارتداء الثياب) ولتيار الرأسمالية الاستهلاكية في عملية (اقتناء الملابس واستهلاكها)، فالتأثيرات السلبية للمغالاة في هذه العملية بدءاً بالتلوث الخطير الذي ينتج من صناعة الأنسجة، تمتد بصورة خبيثة إلى جميع مرافق الحياة الاجتماعية. والاعتدال في شأنها إنما هو في الحقيقة مسلك يجري في فضاء الحشمة، والاحتشام مسلك يصون المرء من الانجرار وراء التباهي بالمظاهر ونسيان القيم الحقيقية في الحياة، ويسهم بذلك في توفير قدر أكبر من الصدق مع الذات والطمأنينة الداخلية.