القدس المحتلة- أظهر قرار المحكمة العليا الذي يلزم الحكومة الإسرائيلية البدء بتجنيد طلاب المعاهد الدينية اليهودية للحريديم في الجيش الإسرائيلي الخلافات داخل الائتلاف الذي يعتمد على الأحزاب الحريدية، وعكس عمق الشرخ المجتمعي واتساع الاستقطاب السياسي.
وسابقا، ناقشت المحكمة العليا بشكل رئيسي مشاريع قوانين تجنيد الحريديم، التي تم إلغاؤها لأنها كانت غير متكافئة ولم تقدم حلولا جذرية، وقضت أن إعفاء اليهود المتشددين لا يمكن تنظيمه إلا من خلال التشريع، بيد أن القرار الجديد للعليا، اليوم الثلاثاء، الذي اتخذ بإجماع 9 قضاة، يلزم بتجنيد الحريديم، بالرغم من عدم وجود قانون ينظم الأمر، ويعتمد على قانون الخدمة العسكرية المعمول به.
وبحسب قراءات لمحللين، فقد أبقت العليا على ثغرة تجيز للجيش الإسرائيلي اتخاذ القرار بشأن حجم التجنيد بصفوف طلاب المدارس اليهودية من المتشددين، حيث أجازت فقط التجنيد المحدود ولم تلزم بفرض الخدمة العسكرية الشاملة، استنادا إلى حقيقة أن القضاة قرروا على وجه التحديد عدم إعطاء تعليمات بشأن نطاق التجنيد.
وفي محاولة منه لتجنب تفاقم الأزمة داخل الجيش في ظل الحرب على غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قادر على تجنيد حوالي 3 آلاف من اليهود المتشددين بحلول نهاية عام 2024، وهو الإعلان الذي ينسجم مع الثغرة في قرار العليا، ويتلاقى أيضا مع طرح المستوى السياسي في حكومة بنيامين نتنياهو، وفقا لتقديرات المحللين.
وأجمعت التحليلات أن قرار العليا يشكل تهديدا لاستقرار ائتلاف نتنياهو ويعمق الأزمة السياسية داخل الحكومة، بيد أن الثغرة التي أبقت عليها المحكمة تتيح لنتنياهو المناورة مع الأحزاب الحريدية، مثل حركة “شاس” برئاسة أرييه درعي، وحزبي “أغودات يسرائيل” برئاسة يتسحاق غولدكنوبف، و”ديغل هتوراة” برائسة موشيه غفني، اللذين يشكلان كتلة “يهدوت هتوراة”.
ثغرات القرار
استعرض مراسل شؤون الحريديم في صحيفة “معاريف” إبراهام بلوخ تداعيات قرار العليا على المشهد السياسي والاجتماعي الاسرائيلي، وتناول الثغرات القانونية في قرار المحكمة الذي يحول دون تجنيد شامل للحريديم وطلاب المعاهد الدينية اليهودية.
وأشار إلى أن العليا قضت بأن طلاب المدارس الدينية المتدينين غير معفيين من التجنيد الإجباري، ويخضعون لنفس الالتزام الذي يخضع له طلاب المدارس الدينية من الصهيونية الدينية والعلمانيين، وبالتالي فإن طلاب المدارس الحريدية الذين يتهربون من الخدمة العسكرية، لن تتمكن المؤسسة التي يدرسون فيها من الحصول على الميزانيات الحكومية.
وعقب هذا القرار، يقول بلوخ إن حكومة نتنياهو ملزمة بتجنيد اليهود الحريديم، بحيث أن كل شخص من 63 ألفا من طلاب المعاهد الدينية اليهودية للمتشددين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-24 عاما، والذين يتهربون حاليا من الخدمة العسكرية، ملزمون بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي.
ومع ذلك -يضيف مراسل الشؤون القضائية- تركت المحكمة لسلطات الجيش ومكتب التجنيد التقديرات والآليات المتعلقة بالطريقة التي سيتم بها تطبيق القانون، كما لم يحدد القضاة نطاق التجنيد الضروري، “ويبدو أنه في حال امتنع الجيش عن تجنيد شامل للحريديم، سيتم تقديم الالتماسات للعليا، التي سيتعين عليها تحديد ما إذا كان الجيش يطبق بشكل شامل قانون التجنيد”.
وخلص للقول إن قضية حجم ونطاق تجنيد الطلاب الحريديم أصبحت قضية سياسية بالكامل، وفي حال تم تشريع قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية الحريدية من الخدمة العسكرية بالقراءات الثلاث، فهذا يعني الالتفاف على قرار العليا ومحاولة إبطاله، وخلق أزمة سياسية حادة داخل الائتلاف الحكومي، لتبدأ قصة تجنيد اليهود المتشددين من جديد.
توزيع العبء
الطرح ذاته تبنته محللة الشؤون القضائية في هيئة البث الإسرائيلية “كان 11” المحامية تمار ألموغ، التي أكدت أن قرار العليا يشير إلى أنه لا يمكن التغاضي عن ضرورة فرض تجنيد شامل للإسرائيليين، خاصة في ظل الحرب على غزة والتي دخلت شهرها التاسع.
وفي قراءة لمعاني ودلات قرار العليا أوضحت ألموغ أن عدم تقاسم العبء وعدم المساواة بالتجنيد في المجتمع الإسرائيلي والإعفاء المتواصل للحريديم من الخدمة العسكرية، وخاصة في أوج الحرب متعددة الجبهات أصبح قضية ساخنة توسع الشرخ المجتمعي، وتزيد من حدة الاستقطاب بالمشهد السياسي الإسرائيلي.
وتقول ألموغ إنه “ربما تمت صياغة قرار العليا بلغة قانونية باردة، لكن القضية التي أثارها القضاة ساخنة وملتهبة في المجتمع الإسرائيلي، فمن ناحية هناك حرب، والجهاز الأمني يصرخ بأن هناك حاجة ملموسة وعاجلة لمزيد من الجنود، ومن ناحية ثانية الحريديم يرفضون التجنيد”.
وأشارت إلى أن حكومة نتنياهو التي تعتمد في الائتلاف على الأحزاب الحريدية تعي جيدا الحاجة للمزيد من الجنود، بيد أنها تسابق الزمن من أجل تشريع قانون لإعفاء طلاب المدارس الدينية الحريدية من الخدمة العسكرية.
وأوضحت أن نتنياهو الذي يسعى لتجنب تجنيد واسع لطلاب المدارس الدينية الحريدية لمنع الصدام داخل الائتلاف ولترحيل تفكك حكومته، دفع نحو مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على رفع سن الإعفاء من الخدمة العسكرية في صفوف قوات الاحتياط، ويصر على تشريع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
ولفتت إلى أن نتنياهو يحاول التجسير على الخلافات داخل حكومته، وأصدر تعليمات لتقصير فترة تأجيل الخدمة لطلاب المدارس الثانوية، وتشجع تجنيد جميع طلاب مدارس الصهيونية الدينية، وذلك لسد احتياجات الجيش لمزيد من القوات.
بين المتدينين والعلمانيين
وفي الجانب العسكري، أوضح مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” يوآف زيتون، أن قرار العليا يُبقي على قضية تقاسم العبء وعدم المساواة في المجتمع الإسرائيلي بكل ما يتعلق بالانخراط بالجيش الإسرائيلي ساخنة ومحط مثار للجدل بين مختلف الشرائح الاجتماعية والتيارات السياسية والحزبية الإسرائيلية، حيث ستكون القضية مشتعلة أكثر ما بين المتدينين والعلمانيين.
وأشار محلل الشؤون العسكرية إلى أنه لا يمكن توقع صدور عشرات الآلاف من أوامر الاعتقال بحق طلاب المدارس الدينية بعد قرار العليا، لافتا إلى أن القرار لا علاقة له تقريبا بالتنفيذ الفعلي لتجنيد المتدينين المتشددين، حيث يمكن الافتراض أن الجيش الإسرائيلي سيستفيد من الثغرة التي تركها قضاة المحكمة التسعة.
وأوضح زيتون أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى نحو 7 آلاف جندي فقدوا خلال الحرب على غزة نتيجة الإصابات، بالإضافة إلى مئات الوظائف الشاغرة التي تمت إضافتها، في إطار زمني فوري، كما يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى زيادة إضافية بالموارد البشرية للسنوات المقبلة.
وفي محاولة للتقليل من حجم التهديد بتفكيك الائتلاف الحكومة الحالي والسعي للوصول إلى تفاهم مع مختلف الشركاء في الائتلاف، قال مراسل الشؤون العسكرية إن الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات من وزير الدفاع يوآف غالانت، بالعمل على تجنيد الحريديم، ولكن بطريقة تدريجية وليس تحت الإكراه.