تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من عام، وعلى لبنان منذ أكثر من شهر. وبين هذين البلدين يروي الناس قصص تهجيرهم، فتارة يتحدثون عن بيوتهم التي دمرت، وعن مدارسهم وجامعاتهم، وتارة عن ذكرياتهم الجميلة التي شوهها الدمار. هذه هي قصة جابر وعائلته من إحدى قرى جنوب لبنان، التي تنتظر موعد العودة.
تحدث أيمن جابر عن “حبيبته” في لقاء صحفي، فهل كان يقصد سيدة عشقها أم قريته التي هام في غرامها.. قرية “محيبيب”؟
يبدو أنه كان يتحدث عن كلتا الحبيبتين، فهذا الرجل الذي يبلغ من العمر 45 عاما له ذكريات كثيرة تتعلق بقصة حب عاشها في موطنه جنوب لبنان، حيث الصورة تميل إلى السوداوية في هذه الأيام.
تحدث جابر، فني الطيران، عن ذكرياته عن حبيبته في مرحلة الطفولة، وعن لقائه محبوبتَه في ساحة قريبة من بيت عمه. ابتسم قائلا: “كنت أنتظرها هناك لأراها. كان نصف أهل القرية يعرفوننا”.
أما الآن، فتعرضت هذه الذكريات للتشويه، ويبدو أنه سيعاني لو أراد أن “يقف على الأطلال”. إذ سويت قرية محيبيب بالأرض بسلسلة من الانفجارات في 16 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
تقع تلك القرية في محافظة مرجعيون على تلة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ونشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو يظهر انفجارات تدمر القرية، وعشرات المنازل فيها.
لم يقتصر المشهد على قرية العاشق، بل تكرر في قرى عدة في جنوب لبنان منذ أن بدأت إسرائيل حربها قبل شهر تقريبا.
وتقول إسرائيل إنها تريد تدمير شبكة ضخمة من أنفاق حزب الله عند الحدود. ولكن بالنسبة للبنانيين الذين نزحوا، فإن الهجمات تدمر ذكريات العمر.
“هل ما زالت أبقاري على قد الحياة”؟
لقد تعرضت قرية محيبيب لاستهداف متقطع منذ أن بدأ تبادل إطلاق النار في 8 تشرين الأول/أكتوبر في العام 2023 بين إسرائيل وحزب الله.
وقبل الحرب كان جابر يعيش في “عرمون” بجنوبي بيروت مباشرة، وتم إجلاء بقية أفراد عائلته بعد الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وذهب بعضهم إلى سوريا. أما والدا جابر وشقيقتاه زينب وفاطمة فانتقلوا للعيش معه.
تقول زينب وهي تجلس في غرفة المعيشة بمنزلهم المؤقت: “والدي يحطم قلبي. إنه ضعيف وعمره 70 عامًا، ومنذ أكثر من عام وهو ينتظر أن يعود إلى محيبيب. لقد ترك بقراته الخمس هناك. ويظل يسأل “هل تعتقدين أنها لا تزال على قيد الحياة؟”.
وأضافت: “”أنا لا أنتمي إلى أي جماعة سياسية”..”لماذا سُلبت بيتي وحياتي؟”. وقالت إنها لا تستطيع مشاهدة فيديو تدمير قريتها. وأوضحت: “عندما قام أخي بتشغيل الفيديو، ركضت خارج الغرفة”.
أما فاطمة فتقول: “لقد استغرقنا عشر سنوات لإضافة غرفة واحدة فقط إلى المنزل. في البداية، وضع والدي الأرضيات، ثم الجدران، والسقف والنوافذ الزجاجية. باعت والدتي ما يعادل عمل عام من المربى الذي كانت تصنعه في المنزل بيديها من أجل وضع الأثاث في المنزل. وأضافت “واختفى كل ذلك في لحظة”.
تزوجت زينب بهدوء في الحرب، وهي الآن حامل في شهرها السادس. وكانت تأمل أن تعود إلى محيبيب قبل الولادة.
“سننصب الخيام إذا اضطررنا”
كانت محيبيب قرية ريفية متماسكة، فيها نحو 70 منزلاً تاريخيًا من الحجر. وكانت العائلات تزرع التبغ والقمح والملوخية والزيتون. واشتهرت القرية أيضًا بضريح يقال إنه للنبي بنيامين بن يعقوب، وقد تعرض للقصف عام 2006 وجرى ترميمه.
يتذكر جابر السفر من بيروت إلى محيبيب ومروه، عبر نقاط التفتيش عندما كانت القرية تحت السيطرة الإسرائيلية. ويقول: “كانت هناك عمليات تفتيش أمنية واستجوابات. وكانت العملية تستغرق يومًا كاملاً أو نصف يوم”.
فرت العائلة من القرية أثناء الحرب في العام 2006 ثم تمكنت من العودة إلى المنازل التي بقيت موجودة رغم ما لحق بها من دمار. لكن أسرة جابر تخشى هذه المرة من أنها إن عادت فلن تجد المنزل ولا المزروعات المحيطة به.
ويخشى جابر أن تعيد إسرائيل السيطرة على جنوب لبنان مجددا، وألا يستطيع إعادة بناء المنزل الذي بناه على مدى السنوات الست الماضية لنفسه ولزوجته وولديهما.
ويقول أيمن بهدوء: “عندما تنتهي هذه الحرب، سنعود. وسننصب الخيام إذا اضطررنا، وسنبقى حتى نعيد بناء منازلنا”.
المصادر الإضافية • أ ب