نشرت في •آخر تحديث
شهد الريف الغربي لمحافظة درعا السورية تصعيدًا عسكريًا جديدًا في الأيام الأخيرة، بعد أن نفذت القوات الإسرائيلية توغلاً عميقًا في منطقة “حوض اليرموك” الاستراتيجية، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. هذه الخطوة، التي تُعد الأولى من نوعها داخل حدود المحافظة، جسّدت توجه إسرائيل نحو تعزيز نفوذها في سوريا.
ووفقًا للمرصد، وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى عمق 9 كيلومترات داخل الأراضي السورية، متجاوزة خط وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه عام 1974. وخلال التوغل، سيطرت القوات الإسرائيلية على عدة قرى وبلدات في حوض اليرموك، وصولًا إلى سد الوحدة الواقع على الحدود السورية الأردنية، حيث تمركزت في مواقع استراتيجية.
وقد تزامن ذلك مع توجيه تحذيرات للسكان المحليين في المنطقة لتسليم أسلحتهم، ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط المحلية والدولية بشأن التداعيات المحتملة لهذا التحرك. ولم يكن هذا التوغل مفاجئًا تمامًا، إذ سبقته تحركات عسكرية إسرائيلية تدريجية منذ سقوط نظام بشار الأسد، اذ وسّعت إسرائيل نفوذها في المنطقة العازلة، وفرضت سيطرة فعلية على ما تبقى من مرتفعات الجولان الاستراتيجية، وصولًا إلى بلدات عديدة في القنيطرة وجبل الشيخ.
وتأتي هذه الخطوة الأخيرة كجزء من خطط طويلة الأمد، خاصة بعد أن أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين إلى الجيش الإسرائيلي بالاستعداد للبقاء في منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة حتى نهاية عام 2025 على الأقل. من هنا، يثار التساؤل: ما هو حوض اليرموك؟ ولماذا يحظى بأهمية استراتيجية؟
ما هو حوض اليرموك؟
يُعد حوض اليرموك منطقة جغرافية ذات أهمية استراتيجية بارزة في الريف الغربي لمحافظة درعا جنوب سوريا، ويشكّل جزءًا من الحدود الطبيعية بين سوريا والأردن. يمتد الحوض كجزء من وادي نهر اليرموك، الذي يُعتبر من أكبر روافد نهر الأردن.
وإنّ هذه المنطقة ليست مجرد ممر جغرافي، بل تُعد نقطة تقاطع مهمة لمصالح مائية وزراعية وأمنية في المنطقة، ما يجعلها محل نزاع دائم بين الأطراف المتنافسة، لا سيما مع محاولات السيطرة الإسرائيلية المتكررة على أجزاء منها.
يحمل نهر اليرموك، الذي ينبع من بحيرة مزيريب في درعا، أهمية حيوية لكونه المصدر المائي الرئيسي الذي يغذي الأراضي الزراعية ويوفر مياه الشرب لمناطق في درعا والسويداء في سوريا، بالإضافة إلى شمال الأردن.
يقطع النهر مسافة 57 كيلومترًا، منها 47 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، فيما يشكل المتبقي جزءًا من الحدود السورية الأردنية. على ضفافه، أقامت سوريا عددًا من السدود، أبرزها سد اليرموك، إلى جانب سد الوحدة الذي يُعد الأكبر، وتصل طاقته التخزينية إلى 225 مليون متر مكعب.
تُستخدم هذه السدود في ري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، تقدر بحوالي 13,640 هكتار، فضلاً عن تزويد القرى المحيطة بمياه الشرب عبر شبكات ضخ رئيسية مثل “خط الثورة” الذي يمتد من الحوض إلى مدينة درعا وريفها وصولًا إلى ريف السويداء.
من الناحية التاريخية، تُعرف المنطقة أيضًا بمعركة اليرموك الشهيرة التي وقعت عام 636 ميلادي، حيث قاد خالد بن الوليد جيش المسلمين في معركة حاسمة أنهت السيطرة البيزنطية على بلاد الشام، مما أضفى على المنطقة أهمية عسكرية وتاريخية استثنائية.
صراع على المياه والنفوذ
كانت إدارة مياه نهر اليرموك موضع خلاف، فقد أُبرمت اتفاقيات لتنظيم استخدام المياه، إلا أن تنفيذها واجه تحديات كبيرة، أبرزها التوترات السياسية والتغيرات المناخية التي أثرت على كميات المياه المتدفقة.
في عام 2011، أقامت الحكومتان السورية والأردنية مشروع “سد الوحدة” على نهر اليرموك، بهدف تعزيز تخزين المياه والتحكم في تدفقها، وهو مشروع استراتيجي تم إنشاؤه في ريف درعا الغربي. لكن تزامن إنشاء السد مع اندلاع الاحتجاجات في درعا، مما جعل المنطقة مركزًا للأحداث العسكرية والسياسية.
استطاعت فصائل المعارضة المسلحة السيطرة على الحوض لنحو عامين، لكن سرعان ما فرض النظام السوري حصارًا مشددًا على المنطقة، قبل أن تسيطر عليها لاحقًا عناصر من داعش الذين خاضوا معارك ضارية مع قوات المعارضة للسيطرة على المنطقة.
وفي عام 2018، أطلق الجيش السوري بدعم من حلفائه حملة عسكرية شاملة لاستعادة الجنوب السوري، بما في ذلك منطقة حوض اليرموك، وتمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة على المنطقة بعد معارك شرسة مع التنظيمات المسلحة.
والآن، بعد تراجع قبضة النظام الأمنية فتح الباب أمام تدخلات إسرائيلية متكررة. شنت إسرائيل عمليات عسكرية في المنطقة الحدودية، مستهدفة مواقع عدة، بما في ذلك منطقة حوض اليرموك، إضافة إلى مواقع في القنيطرة وجبل الشيخ. ويُنظر إلى هذا التوغل الإسرائيلي على أنه محاولة لاستغلال الفراغ الأمني وضمان سيطرة استراتيجية على المناطق الحدودية الحيوية.