وأفاد التقرير الإستراتيجي السنوي (عولمة الأزمات وتعقيد الصراعات) الذي أصدره المعهد، بأنه رغم التصاعد السريع في وتيرة الأحداث فإن دول الخليج بدت أكثر إصراراً على إنجاح مساعيها وامتلاك كلمة في مسارات الأحداث الإقليمية والدولية، عبر تكثَّيف جهودها لتفادي الأزمات المتتالية التي يعانيها الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع، من خلال ابتكار حلول مختلفة ومبادرات استباقية لدرء المخاطر الناشئة، والتموضع في المستقبل.
تموضع في معترك الصراع الإقليمي
وأكد أن دول الخليج تموضعت في وسط معترك الصراع الإقليمي، لا كمشارك بل كأداة لنزع فتيل الصراع الذي تتلاقى فيه وتفترق مصالح إقليمية ودولية، واتّبعت الدول الخليجية سياسة متوازنة استطاعت من خلالها كسب كثير من الثقة العالمية، والمقدرة على إيضاح الحلول الممكنة، وانتزاع المبادرة من الدول التي أبقت المنطقة لفترة طويلة مرتهنة لأطماع تلك الدول وعدم التزامها المواثيق والأعراف الدولية. ولاحَظ التقرير انعكاس الشراكات الاقتصادية للدول الخليجية على ربط مصالحها مع الدول المؤثرة واستغلال الفرص الإستراتيجية الممكنة لتعزيز قدرتها الاقتصادية مثل الفرص التعدينية التي ترفع القدرات المستقبلية في مجال الطاقة النظيفة، مما يقود إلى استغلالها لتعزيز الموقف السياسي وكسب التأثير والبعد عن الارتهان لمصادر وحيدة، لتعزيز قوة ومتانة اقتصادها.
ولفت إلى أنه وفي ظلّ وصول قيادة أمريكية جديدة ستسعى دول الخليج، بلا شكّ، للتعامل بإيجابية مع هذه الحكومة، عطفًا على الفرص التي قد تأتي مع حكومة بحجم الحكومة الأمريكية، وفي ذات الوقت فإن المنجزات التي أحرزتها دول الخليج، خلال السنوات الماضية، وانغماسها في الشأن الدولي سياسيّاً واقتصاديّاً، وتعاونها مع تكتلات مهمة، ستمنح دول الخليج بالتأكيد قدراً كبيراً من الأهمية في الاعتبارات الأمريكية. واعتبر تقرير (رصانة) أن على الدول الخليجية استباق قدْر من التحديات، فقدوم الحكومة الأمريكية الجديدة بتصميم أكبر على حلّ نزاعات المنطقة، يأتي في وقت استطاعت فيه دول الخليج أخذ مسارات ومبادرات مهمة، مثل المصالحة السعودية مع إيران، والتواصل مع الحكومة السورية وإعادتها إلى الجامعة العربية، ما سيخلق وضعاً مختلفاً عمَّا جرى تعاطيه مع إدارة ترمب في فترة رئاستها السابقة، لذلك فوضع خطط لإدارة المرحلة القادمة بما يناسب التوجهات الخليجية يُعتبر ضرورة لتفادي إرهاصات المقاربات الخارجية.
غزة.. والحلول المتأزمة
وحسب التقرير، فإن مخرجات أزمة غزة لم تكن إلا اختباراً لمدى تَحمُّل الدول الخليجية لامتدادات تلك الأزمة وتشعُّبات تأثيراتها، مبيناً أن الدول الخليجية ظلت أمام حلول متأزمة للاعبين الإقليميين والدوليين تبحث عن مسار يُخرِج المنطقة إلى مسارات أكثر قابلية للتعايش والنموّ بدلاً من الصراع الإقصائي الحادّ، الذي لم يُثمِر على مدى عدة عقود أيَّ نتائج، بل أعاد المنطقة إلى حالة من التوتر والفوضى المستمرة، خصوصاً في ظل تتابع الأزمات وتسارع وتيرتها من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية-الأوكرانية وانعكاساتها، وصولاً إلى حرب إسرائيل على غزة ولبنان، ثم امتداد التأثيرات إلى سورية والعراق، ولذا دائماً ما تجد دول الخليج نفسها وسط اللعبة الإقليمية والدولية بحكم موقعها الجغرافي، وانتمائها الديني الإسلامي، ومكانتها في أسواق الطاقة العالمية. وتطرق التقرير إلى وجود متاجرة بالقضية الفلسطينية من بعض الدول، فضلاً عن مساعٍ إسرائيلية لتعظيم مكاسبهم الإستراتيجية بلا مراعاة لمآسي الشعوب وتضرُّرهم الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، وكانت النتيجة العودة إلى مربع الصراع الأول من خلال مستنقَع أزمة غزة ليظهر براغماتية ونفاق المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ويبررون لإسرائيل زيادة توسُّعها وتنفيذ خططها الرامية إلى القضاء على الشعب الفلسطيني من خلال القتل والتهجير وسياسة الأرض المحروقة، فيما كانت دول الخليج لا تستطيع الانكفاء عن واجبها تجاه المنطقة وتجاه القضية الفلسطينية بحكم العامل الجغرافي والارتباط الديني والعروبي بهذه القضية، لذلك يسترعي اهتمامَ دول الخليج، خصوصاً السعودية، إيجادُ مخارج للأزمات التي أصبحت تثقِل كاهل التنمية والأمن لدول المنطقة.
واستعرض التقرير حرص دول الخليج، وخصوصاً السعودية، على حل الدولتين عبر حشد الجهود والدعم من المنظومة العربية والإسلامية لتنفيذ المبادرة العربية للسلام، التي تستند إلى شرعية دولية وتوازن بين مصالح الأطراف المعنية بما يساهم في خلق بيئة إقليمية مستقرة، وأنحى باللائمة على إسرائيل أنها فوتت فرصة كان بالإمكان البناء عليها وتعظيم مكاسبها، وتغيير واقع المنطقة إلى حال أفضل مما تعيشه اليوم.