منذ 11 يوما يمكث جثمان الشابة صابرين العايدي في ثلاجة الموتى في المستشفى التركي بمدينة طوباس شمالي الضفة الغربية، بسبب منع الاحتلال عائلتها من دفنها في مقبرة مخيم الفارعة شرقي طوباس.
توفيت صابرين (31 عاما) مساء الأحد الماضي في منزلها بالمخيم. وبعد إصدار تقرير طبي أكد أن سبب الوفاة هو الجلطة، نقلت الأسرة جثمانها إلى ثلاجة المخيم القريبة من لجنة الخدمات، إلى حين موعد دفنها الذي كان مخططا له صباح اليوم التالي.
وبعد منتصف ليل الأحد، دخلت آليات الاحتلال الإسرائيلي والجرافات العسكرية إلى مخيم الفارعة عقب إعلان توسيع العملية العسكرية “السور الحديدي” من جنين إليه وبلدة طمون. وفرضت قوات الاحتلال حظر التجوال على السكان وبدأت باقتحام المنازل وإجلاء بعض سكانها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
ثلاجة مؤقتة
في منزل العايدي اجتمعت العائلة صباح يوم الاثنين الماضي للاستعداد لمراسم جنازة ابنتهم ودفنها، لكنهم صدموا بمنع الاحتلال نقل جثمانها من ثلاجة الموتى إلى المنزل أو حتى المقبرة.
“جهزنا أنفسنا لنقلها، أشقائي ووالدي والأقارب، كنا نحاول نقلها إلى المسجد لأداء صلاة الجنازة عليها ومن ثم دفنها في المقبرة، لكن الاحتلال قال لنا: ممنوع”، كما يقول محمد شقيق المتوفاة صابرين.
ويضيف للجزيرة نت “كان حظر التجوال ساريا في المخيم، حاولنا التنسيق للدفن لكن مُنعنا من ذلك، أخبرونا أنه لا يمكن أن نقوم بدفنها إلا بعد انسحاب جنود الاحتلال. بعد ذلك حاولنا التواصل مع الارتباط الفلسطيني للحصول على تنسيق لنقل الجثمان من الثلاجة إلى المستشفى التركي بطوباس، لأن الكهرباء في المخيم معرضة للانقطاع في أي لحظة، أيضا لم يستجب الاحتلال لطلبنا”.
![جنود الاحتلال يتواجدون مع عتادهم وشاحنات الطعام في مخيم الفارعة_ وسائل تواصل_](https://saudiwadi.com/wp-content/uploads/2025/02/012-1739266186.jpg)
طوال 3 أيام، حاولت العائلة الحصول على تنسيق لدخول سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر لنقل جثمان صابرين إلى المستشفى التركي، وكانت مركبة الإسعاف تصل إلى المخيم ولكنها تُمنع من الوصول إلى الثلاجة بحجة أنها مغلقة والمفاتيح في منزل الأسرة.
ويؤكد محمد “وصل التنسيق للإسعاف بخط سير واحد وهو الوصول إلى باب الثلاجة ومن ثم العودة من الطريق نفسه إلى خارج المخيم. مفاتيح الثلاجة كانت معي في المنزل لأن الجثمان بداخلها يعود لشقيقتي، منعوا الإسعاف من الوصول إلى منزلنا وأخذ المفتاح”.
بقيت العائلة على أعصابها خوفا من قطع الكهرباء عن كامل مخيم الفارعة بما فيها ثلاجة الموتى والجثمان بداخلها، وفي اليوم الخامس من اقتحام المخيم دهم جنود الاحتلال بيتهم والمنازل المحيطة به، بعدها وصل التنسيق بالنقل إلى المستشفى التركي.
ألم ومعاناة
“مر على وفاة صابرين 11 يوما وحتى الآن لا تزال في الثلاجة، ولا نزال نحن مشتتين بين تصريح الدفن وألم الفقد. عاشت شقيقتي حياتها في الألم والمرض، وفي أيامها الأخيرة عانت كثيرا. وعند وفاتها، قلنا إن الله اختار لها الراحة من أوجاعها، لكن الاحتلال منع عنها حقها الأخير في الاستراحة في قبرها، وحرمنا من تكريمها بالدفن”، يقول محمد العايدي.
ويضيف أن ألم عائلته كبير جدا وأن حياتهم أصبحت مرتبطة فقط بتصريح الدفن ومتى سيسمح به. ووفقا له، فإن الاحتلال لم يمنع فقط الدفن طوال 10 أيام كاملة، لكنه وضع أيضا شروطا لذلك وطلب منهم تصوير المقبرة من جهاتها الأربع، ومن ثم إرسال أرقام الهويات الشخصية لـ20 فردا من العائلة وهو عدد المشاركين في الجنازة.
ولم تكن حالة صابرين الأولى في مخيمات شمال الضفة، ففي بلدة طمون التي اقتحمها جنود الاحتلال أكثر من 6 أيام، لم يُسمح لعائلة بني عودة بدفن فقيدهم الحاج خالد الذي توفي بسبب مشاكل في القلب في أحد مستشفيات مدينة نابلس حيث كان يخضع للعلاج.
يقول شقيقة فهمي “توفي أخي في اليوم الأول من اقتحام طمون، ونقل من المستشفى العربي التخصصي في نابلس إلى المستشفى التركي في طوباس بطريقة صعبة بسبب انتشار الحواجز العسكرية بين المدينتين، واضطررنا إلى سلك الطرق الالتفافية”.
بعد وصول جثمان بني عودة إلى ثلاجة المستشفى التركي، لم تستطع العائلة إتمام الجنازة والدفن بسبب حصار بلدة طمون مسقط رأسه، ومنع الدخول إليها والخروج منها.
“لازمتُ الثلاجة مدة 6 أيام كاملة، لم أستطع المغادرة وترك جثمان أخي فيها، كيف لي العودة إلى المنزل وشقيقي جثة في ثلاجة باردة؟ كانت معاناة كبيرة جدا”، يضيف فهمي للجزيرة نت.
ويصف حال أسرته في تلك الفترة قائلا “كانت أياما صعبة جدا، طوال الوقت كانت والدتي تبكي. قالت لي ابنته إنها تشعر بأن والدها يتوفى كل يوم بسبب بقائه في الثلاجة. لا يمكنني وصف حجم الألم الذي صاحبنا، كنا عاجزين عن تأمين آخر واجب لنا تجاهه وهو إكرامه ودفنه”.
بشاعة الاحتلال
وبحسب بني عودة، كانت العائلة أمام خيار أخير وهو إيصال الجثمان عبر طرق وعرة التفافية إلى البلدة ومن ثم دفنه، لكن الاحتلال أيضا عطل ذلك ومنعهم من حفر القبر في المقبرة.
بقي جثمان خالد من دون دفن حتى انسحبت قوات الاحتلال من طمون بعد 6 أيام من اقتحامها وحصارها، حينئذ ارتاحت الأسرة وأراحت جثمان فقيدها في قبره. لكن رغم مرور 10 أيام على وفاته، لا يزال بيت العزاء قائما فقد اعتبرت العائلة أن يوم الدفن هو أول أيام العزاء.
يقول فهمي “لم يكتف الاحتلال بتهجير الناس من منازلها وحصارهم وقطع الكهرباء والماء عنهم، لكن الأمر وصل إلى منع دفن المتوفين. لم يحدث شيء أكثر بشاعة في العالم من هذا، كما لم يحدث ذلك حتى في الانتفاضة الأولى ولا في اجتياح عام 2000”.
وعمدت إسرائيل منذ بدء العملية العسكرية في مخيمات الضفة الغربية، بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، إلى حصار المدن والبلدات والمخيمات التي تقتحمها ومنع دخول الناس إليها وخروجهم منها.
وعطّل ذلك أيضا دفن الشهداء في مدينة جنين التي اضطر أهلها إلى إجراء تنسيق بمساعدة الارتباط الفلسطيني للسماح لهم بدفن 11 شهيدا ارتقوا في المخيم والحي الشرقي من المدينة بعد مرور 13 يوما على بدء الاقتحام. واشترط الاحتلال عدم وجود جنازة جماهيرية للشهداء، ونقلهم إلى المقبرة بسيارات الإسعاف بحضور شخصين من عائلة كل شهيد فقط.
في حين لا يزال شهداء محافظة طولكرم في ثلاجات المستشفيات بعد 16 يوما على اقتحام مخيم طولكرم، و3 أيام على اقتحام مخيم نور شمس.