خلال أعمال الحفر لإنشاء أساسات مشروع مركز النقل المستدام في برشلونة، فوجئ عمال البناء باكتشاف سفينة أثرية تعود للعصور الوسطى، مدفونة تحت الأرض لأكثر من 400 عام.
وبدلا من مواصلة الحفر الإنشائي التقليدي، تحول المشهد إلى موقع علمي، حيث يعمل علماء الآثار بحذر شديد على انتشال الإطار الخشبي للسفينة من التربة، وسط استمرار عمليات البناء في المنطقة المجاورة.
وأُطلق على السفينة اسم “سيوتاديلا الأولى” تكريماً للمكان الذي عُثر عليها فيه، قرب منتزه سيوتاديلا الشهير في قلب برشلونة.
ويقول سانتياغو بالاسيوس، كبير علماء الآثار في موقع التنقيب: “تعود السفينة زمنيًا إلى نهاية القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر. طريقة بنائها تتطابق مع التقاليد المتوسطية لبناء السفن، مع سمات من التقاليد الكانتابرية. ويمكن ملاحظة دمجٍ محتمل بين تقنيتي البناء لتعزيز الملاحة”.
ويبلغ ارتفاع حطام السفينة 5.65 مترًا (18 قدمًا)، وقد تم العثور على هيكلها السفلي بحالة شبه سليمة، وقد لعبت رطوبة التربة دورا في ذلك. ويبلغ طول السفينة 10 أمتار (32 قدمًا) وعرضها 3 أمتار (9.8 أقدام).
ويتكون الهيكل من نحو 30 إطارًا خشبيًا، وما لا يقل عن 6 ألواح خشبية كانت تُغطيه.
ويكمن التحدي اليوم، في استخراج السفينة من مكانها الحالي — الذي لم يكن مرساها الأخير على ما يبدو — من دون التسبب بأي ضرر لجسمها الخشبيّ.
“ما نقوم به الآن هو استخراج كل الأطر الخشبية للسفينة، حتى نتمكن لاحقًا من استخراج الجزء السفلي” يقول بالاسيوس، ويضيف: “لدينا هنا 3 برك، وكلّما أخرجنا إطارًا خشبيًا، نغمره في الماء، لأن الماء يمثل بيئته الطبيعية. لقد كان هناك في الأصل، لذلك نبقيه كذلك. وبمجرد استخراج جميع الأجزاء الخشبية، سننقلها بواسطة رافعة إلى منشأة مخصصة”.
ويؤكد علماء الآثار، أن المرحلة الحالية حرجة، فأي خطأ قد يؤدي إلى تدمير الخشب القديم بشكل لا يمكن إصلاحه.
وسيتم إجراء تحليلات إضافية، بما في ذلك اختبارات الكربون المشع C-14، لتحديد عمر السفينة بدقّة أكبر، بالإضافة إلى الكشف عن مزيد من تفاصيل تقنيات البناء.
وقد تم اكتشاف السفينة القديمة في منتصف نيسان / أبريل الماضي، وقد تم اتخاذ تدابير كثيرة للحفاظ على خشب السفينة ومنع تضرره بسبب التعرض المباشر لأشعة الشمس أو تأثيرات الطقس.
وأثناء تفكيكها، يتم رشّ العوارض والألواح بالماء، وتنظيفها، وتصنيفها، ومعالجتها قبل غمرها في برك مؤقتة أُقيمت داخل قبوٍ خرساني العملاق.
وتقول دليا إغيليوس، رئيسة الترميم في الحفريات: “من الممكن تمامًا إعادة تجميعها. جميع الأجزاء محفوظة وموثقة جيدًا. سنكون قادرين على القيام بذلك”.
وقد أثار هذا الاكتشاف نقاشًا جديدًا حول مكان وجود سواحل برشلونة خلال العصور الوسطى.
ويأمل علماء الآثار أن يوفّر موقع السفينة وعمقها تصوّراتٍ جديدة حول شكل المدينة، وماضيها في العصور الوسطى، خصوصا وأن أجزاءً كثيرة من برشلونة اليوم قائمة على أراضٍ تم استصلاحها من البحر.
ويقول البعض إن موقع ووضعية “سيوتاديلا الأولى” بدأ بالفعل في تقديم أدلة حول شكل الميناء القديم للمدينة، إذ يبدو أن الخطّ الساحليّ كان أبعد بكثير عن موقعه الحاليّ خلافًا للاعتقاد السائد منذ زمن.