Close Menu
    رائج الآن

    الكندري لـ«الأنباء»: اعتماد الخطة التشغيلية للسنة المالية الحالية لقطاع الرعاية الاجتماعية

    الإثنين 19 مايو 8:16 ص

    الجبير يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان

    الإثنين 19 مايو 8:10 ص

    في أول كلمة له بعد اشتباكات طرابلس.. الدبيبة: المجموعات المسلحة تغوّلت

    الإثنين 19 مايو 7:59 ص
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام
    عاجل الآن
    • الكندري لـ«الأنباء»: اعتماد الخطة التشغيلية للسنة المالية الحالية لقطاع الرعاية الاجتماعية
    • الجبير يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان
    • في أول كلمة له بعد اشتباكات طرابلس.. الدبيبة: المجموعات المسلحة تغوّلت
    • إسرائيل تسمح بدخول مؤقت لمساعدات غزة بعد ضغط أميركي
    • دبي القابضة تعلن زيادة حجم الطرح العام الأولي لمساكن دبي ريت
    • مصر: أسعار الذهب تواصل الخسائر.. عيار 21 عند 4715
    • حراك أمريكي بريطاني لتهدئة دائمة بين الهند وباكستان
    • برونو روتايو يقود الجمهوريين الفرنسيين: انتصار يعيد ترتيب المشهد اليميني
    • من نحن
    • سياسة الخصوصية
    • اعلن معنا
    • اتصل بنا
    وداي السعوديةوداي السعودية
    header
    • الرئيسية
    • اخر الاخبار
    • المناطق
      • الرياض
      • المدينة المنورة
      • المنطقة الشرقية
      • مكة المكرمة
      • الباحة
      • الجوف
      • القصيم
      • تبوك
      • جازان
      • حائل
      • عسير
      • نجران
    • العالم
    • سياسة
    • اقتصاد
      • بورصة
      • عقارات
      • طاقة
    • تكنولوجيا
    • رياضة
    • المزيد
      • ثقافة
      • صحة
      • علوم
      • فنون
      • منوعات
     اختر منطقتك Login
    وداي السعوديةوداي السعودية
    الرئيسية » التأصيل الجنائي لتهرّب المدين من الوفاء في القانون الكويتي
    العالم

    التأصيل الجنائي لتهرّب المدين من الوفاء في القانون الكويتي

    فريق التحريربواسطة فريق التحريرالإثنين 19 مايو 12:08 ص0 زيارة العالم لا توجد تعليقات
    فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام بينتيريست البريد الإلكتروني

    إعداد: د.فيصل الكندري

    أستاذ القانون الجنائي

    أعد أستاذ القانون الجنائي د.فيصل الكندري دراسة مقارنة حول التأصيل الجنائي لتهرب المدين من الوفاء في القانون الكويتي في ضوء الإعسار الاحتيالي بالتشريع الفرنسي، أكد فيها أن المنظور التقليدي للمدين الذي يمنحه حرية مطلقة في التصرف بأمواله ولو على حساب حقوق دائنيه لم يعد كافيا في عالم تتعقد به الجرائم المالية وتتداخل فيه المصالح العابرة للحدود.

    وأكد الكندري في دراسته أن العدالة الحديثة تتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الحرية والمسؤولية والإرادة الذاتية والرقابة العامة بما يحفظ للنظام القضائي هيبته وللمجتمع استقراره وللدائنين حقوقهم المشروعة، مبينا أن تجريم الإعسار الاحتيالي يجب ألا ينظر إليه على أنه تقييد لحرية المدين بل كوسيلة لضمان عدم إساءة استخدام هذه الحرية في إفراغ القانون من محتواه فالحماية الجنائية هنا ليست غاية زجرية بل تعبير عن إرادة جماعية لصيانة العدالة من التحايل ولإعادة الاعتبار الى فكرة أن الدولة التي لا تحمي تنفيذ أحكامها إنما تقر ضمنيا بانكسار سيادة القانون فيها.

    تمهيد: في عالم تتزايد فيه التعقيدات الاقتصادية وتتنوع فيه وسائل التحايل المالي لم يعد يكفي أن ينظر إلى العلاقة بين الدائن والمدين بوصفها التزاما مدنيا محضا بل أصبحت هذه العلاقة محل اهتمام متصاعد من القانون الجنائي حين يقدم المدين على سلوكيات ظاهرها مشروعية مدنية وغايتها الجوهرية تقويض مسار التنفيذ القضائي، فالحق مهما علا شأنه يظل بلا أثر ما لم يقترن بأداة تنفيذ فعالة فيغدو النص مجرد إعلان نظري ما لم تتوافر له أدوات الردع والتفعيل.

    ولقد كشفت التجربة القضائية في النظم القانونية المختلفة عن سلوكيات متكررة يمارسها بعض المدينين تتمثل في تهريب الأموال أو التصرف غير المتكافئ أو اصطناع علاقات قانونية صورية بقصد الإضرار بمصالح دائنيهم والإفلات من التنفيذ هذه التصرفات رغم تقاطعها مع مفهوم الحرية التعاقدية وحق الشخص في إدارة أمواله إلا أنها – في جوهرها – تمثل انحرافا متعمدا عن مبدأ حسن النية الذي يشكل ركيزة الالتزام القانوني بل وتعد انتهاكا لمنظومة العدالة التي لا تقوم على الاعتراف بالحقوق فحسب بل على حمايتها وإنفاذها.

    ومن هذا المنطلق، نشأ التوجه في العديد من التشريعات الجنائية نحو تجريم الأفعال التي تهدف إلى تعطيل التنفيذ أو تفريغه من مضمونه ولو لم تكن هذه الأفعال مجرمة في القانون المدني بذاتها، وقد تجلى هذا التوجه بشكل واضح في القانون الفرنسي من خلال المادة 314 – 7 من قانون العقوبات التي جرمت تنظيم المدين لإعساره بشكل احتيالي لعرقلة تنفيذ حكم قضائي، وقد مثلت هذه المادة انتقالا فلسفيا عميقا من منطق المسؤولية التعاقدية إلى منطق الحماية الزجرية لوظيفة القضاء.

    وفي الكويت جاء القانون رقم 65 لسنة 2025 ليؤسس لتطور نوعي في بنية الحماية القانونية للتنفيذ عبر إدراج 4 مواد جزائية من (283 إلى 286) في قانون الجزاء تعنى صراحة بتجريم صور التهرب من الوفاء سواء من جانب المدين أو من يشاركه أو يمكنه من ذلك، وهو ما يعكس تحولا في فلسفة المشرع الكويتي من المعالجة المدنية البحتة لهذه التصرفات إلى تجريمها بوصفها اعتداء على النظام القضائي ذاته لا مجرد إخلال بحقوق خاصة.

    وتأتي هذه الدراسة في هذا السياق لتتناول ظاهرة تهرب المدين من الوفاء من زاويتين متكاملتين: الأولى تحليلية نقدية للنصوص الجزائية الكويتية الجديدة من حيث بنيتها وأركانها ومجال تطبيقها وحدودها، والثانية مقارنة معمقة مع التجربة الفرنسية في المادة 314 – 7 لما لها من رصيد فقهي وقضائي في ضبط هذا النوع من الجرائم المالية التنفيذية تنطلق الدراسة من إشكالية مركزية مؤداها:

    هل تشكل النصوص الجزائية الكويتية الجديدة (283 – 286) منظومة متكاملة وفعالة في مواجهة تهرب المدين من التنفيذ؟ وما مدى اقترابها أو ابتعادها عن التجربة الفرنسية التي تعد من أعرق التجارب في تجريم الإعسار الاحتيالي؟

    وتسعى الدراسة للإجابة عن هذه الإشكالية من خلال المنهج التحليلي المقارن الذي يجمع بين التفسير النصي والتحليل الفقهي والاجتهادي، ويقارن بين التوجهين الكويتي والفرنسي في بناء السياسة الجنائية الخاصة بحماية التنفيذ، كما تسعى إلى كشف أوجه القوة والقصور في كل نموذج واقتراح سبل تطوير النصوص الكويتية بما يضمن اتساقها مع متطلبات العدالة التنفيذية الحديثة.

    وتبرز أهمية هذه الدراسة في أنها لا تكتفي بسبر النصوص بل تحللها في ضوء التحولات الاقتصادية والواقعية التي أفرزت حاجة ملحة إلى حماية قضائية أكثر صرامة وفعالية في مواجهة الجرائم التي ترتكب تحت غطاء قانوني ظاهري، كما تسهم في إثراء النقاش الفقهي حول حدود التدخل الجنائي في المجال المالي المدني وضرورة التوفيق بين الحرية الفردية ومتطلبات الردع العام.

    وانطلاقا من هذا المنظور تنقسم الدراسة إلى فصلين رئيسيين:

    الفصل الأول: يعالج الإطار القانوني الفرنسي لجريمة الإعسار الاحتيالي من خلال تحليل المادة 314-7 نصا وتأصيلا واستعراض الاجتهادات القضائية وأهم الآراء الفقهية مع التطرق إلى الفلسفة التي تحكم هذا النموذج الجنائي.

    الفصل الثاني: يخصص لدراسة النصوص الجزائية الكويتية الجديدة مع تحليل معمق لموادها من حيث الأركان والعقوبة والحماية الإجرائية وإجراء مقارنة نقدية بينها وبين المادة الفرنسية وصولا إلى توصيات إصلاحية قابلة للتطبيق.

    بهذا الهيكل تسعى الدراسة إلى تقديم تصور متكامل حول الحماية الجنائية للتنفيذ القضائي في مواجهة الإعسار الاحتيالي باعتبارها ضرورة قانونية لا ترفا تشريعيا وباعتبارها أيضا انعكاسا لفلسفة العدالة التي تقتضي ألا يكون للقانون من معنى ما لم يمكن تنفيذه بالقوة الشرعية للدولة.

    المبحث الأول: تحليل الفقه والاجتهاد القضائي الفرنسي لجريمة الإعسار الاحتيالي:

    أولا: التأصيل الفقهي للجريمة: تنص المادة 314-7 من قانون العقوبات الفرنسي (القانون رقم 1336/92 المؤرخ في 16 ديسمبر 1992 ودخل حيز التنفيذ في 1 مارس 1994 على ما يلي: يعاقب بالسجن مدة 3 سنوات وبغرامة قدرها 45.000 يورو، كل من نظم أو فاقم إعساره بطريقة احتيالية، بقصد الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي صادر ضده أو بقصد عرقلة إجراءات الحجز الجبري.

    يرى Jean Pradel أن المادة 314-7 تجسد تجريما وقائيا لما يسميه بالجرائم التي تهدد النظام القضائي التنفيذي، حيث لا يقتصر الهدف من التجريم على حماية الدائن بل يتسع لحماية سلطة الدولة في إنفاذ أحكامها، ويؤكد أن الجريمة تقوم على فكرة الخطر المحتمل لا النتيجة المحققة.

    أما Gérard Cornu فيشير إلى أن هذه الجريمة تعبر عن نقطة الالتقاء بين الحق الخاص والحق العام وهي حالة استثنائية تبرر خروج القضاء الجنائي عن القواعد التقليدية في التجريم نتيجة إخلال المدين بمبدأ حسن النية في التنفيذ.

    ثانيا: تحليل الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية:

    1- أقرت محكمة النقض بأن تحويل المدين أمواله إلى حساب زوجته مباشرة بعد صدور حكم قضائي يعد دليلا كافيا على القصد الاحتيالي خاصة عند وجود قرائن ظرفية تدعم هذا الاستنتاج ويعتبر هذا الحكم تأسيسيا في التوسع في تفسير القصد الجنائي من خلال ظروف التنفيذ (قرار 5 ديسمبر 2000 رقم 99-86176).

    2- أكدت المحكمة أن تأسيس المدين لشركة تجارية باسم أحد أبنائه مباشرة بعد صدور حكم قضائي يعد وسيلة احتيالية لإخفاء أمواله، وبالتالي تشكل سلوكا مؤسسا لجريمة الإعسار الاحتيالي وقد اعتمدت المحكمة على مبدأ «إخفاء المال تحت ستار قانوني مشروع». (قرار 21 يناير 1998 رقم 96-85847).

    3- وسعت المحكمة من نطاق الركن المادي للجريمة ليشمل الأفعال التي تتم قبل التنفيذ الفعلي متى كانت تهدف لإفشاله لاحقا مثل تحرير سندات دين صورية أو الدخول في عقود بيع صورية. (قرار 28 مايو 2013 رقم 12-83847).

    ثالثا: عناصر التفسير القضائي:1- مرونة القاضي في تقدير النية: تجيز الأحكام الفرنسية اعتماد القاضي الجنائي على القرائن الظرفية والاستدلال السياقي لتكوين القناعة حول نية الإعسار الاحتيالي مما يشكل تمايزا عن المعيار المدني الصرف في إثبات الغش أو التدليس.

    2- تقدير الصورية القانونية: يبين القضاء الفرنسي أن الصورية ليست مجرد غياب الثمن بل تشمل إخفاء العلاقة الحقيقية وراء غلاف قانوني ظاهر كأن تسجل ملكية المال باسم قريب بينما تبقى السيطرة الفعلية للمدين.

    3- امتداد الجريمة إلى الغير: أقر القضاء في حالات عديدة مسؤولية الغير إذا ثبت علمه بالوضع القانوني للمدين والمشاركة في السلوك المحظور ما يقابل في القانون الكويتي ما تنص عليه المادة 284 بشأن تمكين المدين من التهرب.

    رابعا: تقييم فقهي قضائي: يظهر التحليل القضائي الفرنسي أن جريمة الإعسار الاحتيالي ترتكز على مبادئ قانونية عالية: احترام سلطة القضاء حماية النظام العام وتجريم سوء النية في السلوك المالي ويستخلص من الفقه والاجتهاد أن الجريمة لا تهدف إلى تقييد حرية المدين بحد ذاتها بل إلى تقنينها ضمن حدود المصلحة العامة التنفيذية.

    في القضية المعروفة باسم «Affaire Marceau Entreprises» أدين صاحب الشركة عام 2017 بعد أن ثبت قيامه بتحويل ملكية 5 شركات فرعية إلى حسابات خارجية في نفس الأسبوع الذي صدر فيه حكم نهائي ضده بقيمة 42 مليون يورو لصالح أحد الدائنين وقد استندت المحكمة إلى الأدلة الرقمية في تتبع التحويلات وإلى إفادات الشركاء الوهميين لإثبات الصورية، وقد علق قاضي التحقيق قائلا: La sophistication apparente de l’opération ne masque pas l’intention de soustraire les biens à l’exécution judiciaire– أي أن تعقيد العملية لا يخفي نية التحايل على التنفيذ.

    يعكس الاتجاه القضائي والتشريعي في فرنسا تطورا في فلسفة القانون الجنائي من العقاب على النتائج إلى الوقاية من الإضرار بالثقة القانونية خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية.

    خامسا: البعد الاقتصادي والمؤسسي للجريمة: تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن جرائم الإعسار الاحتيالي تمثل تهديدا مباشرا للنظام المالي والمؤسسي خاصة في أسواق التمويل والتوريد ووفقا لتقرير صادر عن Haut Conseil du Commissariat aux Comptes (2021) فإن الخسائر الناجمة عن مثل هذه الممارسات قدرت بأكثر من 36 مليار يورو في السوق الائتمانية التجارية في فرنسا.

    كما ترتبط هذه الجريمة بمخاطر متقدمة مثل غسيل الأموال والتحايل على مصلحة الضرائب ما يجعلها ذات طابع مركب يحتاج إلى تقاطع رقابي بين الجهات القضائية والمالية.

    سادسا: التحليل الفقهي النقدي لمفهوم الإعسار الاحتيالي: يثير التجريم الوارد في المادة 314-7 من قانون العقوبات الفرنسي نقاشا فقهيا واسعا حول حدوده الدستورية ومدى توافقه مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فبينما يرى Jean Pradel أن النص يندرج في إطار الجرائم الوقائية ذات الطابع التنفيذي يحذر آخرون مثل Dominique Piana من أن معيار «القصد في تعطيل التنفيذ» قد يؤدي إلى تجريم تصرفات مدنية مشروعة في ظاهرها، وقد اعتبر بعض الفقهاء أن غموض المعايير قد يهدد مبدأ sécurité juridique ما لم يكن هناك تعريف دقيق لما يعد نية احتيالية كما يثار التساؤل: هل يكفي العلم بوجود حكم قضائي لقيام الجريمة؟ أم يجب أن يثبت أن الفعل أنجز عن وعي بعرقلة التنفيذ بشكل مباشر؟

    الفصل الثاني: الإطار القانوني الكويتي لجريمة تهرب المدين من الوفاء

    قبل صدور القانون رقم 65 لسنة 2025، كان القانون الكويتي يتعامل مع إخلال المدين بالتزاماته على نحو مدني صرف، دون وجود إطار جزائي يعاقب على سلوك المدين الاحتيالي ما لم يتخذ صورة نصب أو خيانة أمانة. غير أن التطورات العملية في ميدان التنفيذ أظهرت الحاجة إلى تدخل تشريعي خاص لضبط الأفعال التي يمارسها بعض المدينين بقصد تعطيل أو إفراغ إجراءات التنفيذ من مضمونها، لاسيما في ظل تزايد حالات التصرف الصوري، وإخفاء الأموال، والهروب من الوفاء بالديون، واستجابة لذلك، سن المشرع الكويتي المادة 283 من قانون الجزاء، إلى جانب المادتين 284 و285 من القانون رقم 65 لسنة 2025، والتي فصلت أركان الجريمة ووسائل ارتكابها، في إطار منظم يعكس التوازن بين ضمان حرية المدين في إدارة أمواله، وواجب الوفاء القضائي.

    الفرع الأول: جريمة الإعسار الاحتيالي:

    تنص المادة 283 على ما يلي: يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة التي لا تجاوز 5 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مدين ارتكب أي من الأفعال الآتية:

    1- أخفى أمواله أو هربها أو نقلها أو تصرف فيها سواء بالطرق التقليدية أو الإلكترونية بقصد عدم الوفاء بما عليه من ديون ثابتة بموجب سند تنفيذي.

    2- أقر بديون غير واجبة عليه أو خفض من أمواله أو حقوقه الواجبة الأداء من الغير بقصد عدم الوفاء بما عليه من ديون ثابتة بموجب سند تنفيذي.

    وتنقضي الدعوى الجزائية في أي حالة كانت عليها إذا أوفى المتهم بقيمة الدين أو تصالح مع الدائن أو عفا عنه، وإذا تم الوفاء أو الصلح أو العفو بعد صدور حكم نهائي بإدانته جاز للمحكمة التي أصدرت هذا الحكم أن تأمر بوقف العقوبة المقضي بها بناء على طلب المحكوم عليه، ومن الناحية الفقهية تندرج الجريمة المنصوص عليها في المادة 283 ضمن فئة «جرائم الإعسار الاحتيالي» والتي عرفها الفقهاء على أنها كل سلوك صادر عن المدين يضعف الذمة المالية أو يفرغها بقصد عرقلة التنفيذ دون مبرر قانوني رغم وجود دين ثابت بموجب سند تنفيذي، ونظرا لتداخل هذه الجريمة عند التطبيق مع المفاهيم المدنية المتعلقة بحرية المدين في التصرف وهو ما يفرض على القضاء اعتماد معيار مزدوج:

    – فحص الشكل القانوني للتصرف.

    – فحص الهدف والغرض النهائي منه.

    وقد أشار الفقيه الفرنسي Jean Pradel إلى أن الجرائم ذات الصبغة المالية تتطلب دائما تحقيق النية عبر القرائن الظرفية وهو ما ينطبق تماما على هذه المادة التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي الخاص المرتبط بسلوك مالي ظاهر، يتضح من هذا النص أن المشرع يشترط:

    ٭ ​وجود دين ثابت بموجب حكم أو سند رسمي قابل للتنفيذ.

    ٭ ​صدور فعل مادي احتيالي من المدين.

    ٭ ​اقتران الفعل بقصد خاص يتمثل في نية التهرب من الوفاء.

    أولا: تحليل الركن المادي:

    يتسم الركن المادي في المادة 283 بتعدديته وتنوع صوره مما يعكس وعي المشرع بتكتيكات المدين الاحتيالية المعاصرة إذ تشمل الجريمة هنا أفعالا قانونية ومادية ظاهرها مشروع لكنها تهدف إلى الحيلولة دون تمكين الدائن من التنفيذ على مال المدين.

    من أبرز صور النشاط المادي المجرم:

    – الإخفاء: إخفاء الأموال نقدا أو عينيا في أملاك الغير أو داخل حسابات مصرفية مشفرة.

    – التهريب: تصدير الأموال إلى الخارج دون إبلاغ الجهات المختصة أو تحويلها إلكترونيا إلى جهات يصعب تتبعها.

    – التصرف: البيع أو التنازل عن الأموال دون مقابل أو بسعر يقل بشكل كبير عن القيمة السوقية.

    – النقل الصوري: تحويل الملكية إلى أطراف مقربين مع استمرار السيطرة الفعلية عليها.

    – الإقرار الكاذب بديون: تحرير سندات دين وهمية لإيهام بوجود التزامات تقلل من قيمة الذمة المالية.

    – التنازل عن الحقوق: التوقف عمدا عن مطالبة الغير بحقوق مالية مشروعة للتهرب من الحجز عليها.

    الجامع بين هذه الأفعال هو أنها تنطوي على عنصر التمويه أو التفريغ المتعمد للذمة المالية ولا يشترط تحقق الضرر الفعلي بل يكفي أن يكون السلوك من طبيعة تؤدي إلى منع التنفيذ أو تقليل فعاليته ويعد هذا الطابع الاحتمالي سببا لاعتبار الجريمة وقائية تجرم الفعل في بدايته لا نتيجته.

    ثانيا: تحليل الركن المعنوي: يتطلب الركن المعنوي في المادة 283 توافر القصد الجنائي الخاص أي أن يكون المدين عالما بوجود دين ثابت بموجب سند تنفيذي ومتجه الإرادة نحو التهرب من الوفاء به عبر أحد الأفعال المادية المنصوص عليها.

    العنصر الأول: العلم بالدين: ويشترط أن يكون المدين قد علم بوجود الدين من خلال:

    – استلامه نسخة من الحكم.

    – مخاطبته بالتنفيذ.

    – اعترافه السابق بالدين.

    – تكرار امتناعه عن الدفع رغم الإعذار.

    العنصر الثاني: القصد في التهرب ويستدل عليه من:

    – توقيت التصرفات مباشرة بعد إعلان الحكم.

    – التعامل مع أطراف مقربين دون مبررات.

    – تزامن نقل الأموال مع إجراءات الحجز.

    – صورية العقود وتكرار المحاولات لإظهار الإفلاس.

    هذا الركن يشكل الفاصل بين التصرف المدني المسموح والسلوك الإجرامي المحظور ويجب على القضاء تقييم النية بناء على مجموع قرائن الحال لا فقط على الفعل المجرد فالعبرة في النهاية ليست بالفعل بل بالغرض الذي وجد من أجله.

    ثالثا: العقوبات وحالات الإعفاء: تقرر المادة 283 عقوبة مزدوجة تتمثل في الحبس الذي لا يتجاوز 3 سنوات أو الغرامة التي لا تتجاوز 5 آلاف دينار أو الجمع بينهما وهي عقوبة منضبطة في حدها الأقصى وتتناسب مع طبيعة الجريمة بوصفها اعتداء على الوظيفة التنفيذية للقضاء لا على المال العام أو على الحياة أو السلامة الجسدية.

    ومن الناحية الفقهية تصنف هذه العقوبة ضمن ما يعرف بالعقوبات المالية المقرونة بالردع الشخصي، إذ يهدف الحبس إلى منع المدين من تكرار السلوك الاحتيالي بينما تهدف الغرامة إلى تعويض المجتمع عن العبث بالنظام القضائي.

    وتعد هذه العقوبة من العقوبات التقديرية التي تترك للقاضي سلطة واسعة في التفريق بين الحالات: فهناك من يتصرف تحت ضغط فعلي أو خطأ مدني غير مقصود وهناك من يمارس سلوكا احتياليا مخططا لإفراغ الذمة المالية ولهذا جاء النص بصيغة تتيح استخدام أحد العقوبتين أو كليهما بحسب ظروف القضية، أما في جانب الإعفاء فقد تبنت المادة فلسفة (العدالة التصالحية) التي تمنح المدين فرصا متعددة لإنهاء النزاع الجنائي إذا تحقق الهدف التشريعي الأصلي، استيفاء الدين وتتمثل صور الإعفاء في:

    – الوفاء الكامل بالدين: يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجزائية في أي مرحلة كانت عليها.

    – الصلح بين الدائن والمدين: سواء نص على السداد الجزئي أو جدولة الدين.

    – العفو الصريح: وهو تنازل الدائن عن حقه في متابعة الإجراءات الجزائية.

    – الوفاء أو الصلح أو العفو بعد الحكم يجيز للمحكمة وقف تنفيذ العقوبة بناء على طلب المحكوم عليه.

    المبحث الثاني: جريمة تمكين المدين من التهرب بالوفاء:

    تنص المادة (284): يعاقب بذات العقوبة المبينة في المادة السابقة كل من استلم أو تلقى أو حاز أو نقلت إليه أموال المدين سواء بالطرق التقليدية أو الإلكترونية مع علمه بالدين الثابت بالسند التنفيذي بقصد تمكين المدين به من عدم الوفاء ولا يسري هذا النص على الأشخاص المشمولين بولاية المدين أو وصايته.

    وتنقضي الدعوى الجزائية في أي حالة كانت عليها إذا سلم الأموال لإدارة التنفيذ أو لجهة التحقيق تمهيدا لاستيفاء الدين من المدين بحسب قواعد تزاحم الدائنين.

    وإذا كان تسليم الأموال بعد صدور حكم نهائي بإدانته جاز للمحكمة التي أصدرت الحكم أن تأمر بوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها بناء على طلب المحكوم عليه.

    ويسري أثر الوفاء بالدين أو الصلح أو العفو المنصوص عليه في المادة السابقة على من استلم أو تلقى أو حاز أو نقلت إليه أموال المدين.

    وسع المشرع نطاق التجريم في المادة 284 ليشمل كل من يتدخل عمدا في تمكين المدين من عدم الوفاء بدينه

    أولا: تحليل الركن المادي: يتطلب الركن المادي في المادة 284 أن يقوم الجاني بعمل إيجابي يتمثل في الاستلام التلقي الحيازة أو نقل أموال المدين بشرط أن تكون هذه الأموال مملوكة له وقابلة للتنفيذ عليها وقد راعى المشرع أن هذه الأفعال قد تأخذ أشكالا ظاهرة مشروعة لكنها تستبطن نية خفية لإعاقة تنفيذ حكم قضائي أو السند التنفيذي لذلك لا يعتد بالشكل الظاهري للفعل وإنما بالمضمون والغرض النهائي منه، ويلاحظ أن المشرع لم يقيد السلوك المادي بشرط أن يكون المتهم هو من بادر بالفعل بل يكفي أن يكون فاعلا مساهما بالاستلام أو التلقي حتى وإن لم يكن على علم بتفاصيل الحكم مادام علمه بالدين قائما ونيته متجهة لتمكين المدين من الإفلات.

    وتكتسب هذه الجريمة طابعا مستقلا عن جرائم النصب أو خيانة الأمانة، إذ لا يشترط فيها حصول المجني عليه (الدائن) على مال أو تعرضه لخسارة مباشرة بل يكفي أن يحرم من وسيلة تنفيذ فعالة ما يجعل من الجريمة صورة من صور الإضرار غير المباشر المعاقب عليه لذاته.

    والركن المادي في المادة 284 يعد من الأركان الغنية من حيث التنوع في السلوكيات الإجرامية التي يمكن أن يتخذها الجاني وهو لا يتطلب أن يكون الفاعل هو المدين بل يركز على الأفعال التي تصدر من الغير بقصد تمكين المدين من التهرب من الوفاء بدين ثابت بموجب سند تنفيذي ويمكن تصنيف صور السلوك المجرم ضمن هذه المادة كما يلي:

    الأفعال المادية المباشرة: تسلم الأموال من المدين يدا بيد بعد صدور الحكم. تحويل الأموال إلى حساب الغير بموافقة المتهم. حيازة المنقولات التابعة للمدين أو التستر عليها، إيواء ممتلكات أو وثائق تفيد ملكية المدين لأموال قابلة للتنفيذ.

    الأفعال القانونية الشكلية: تسجيل ملكية مال المدين باسم الغير بنية التحايل، استخدام وكالة قانونية لإبرام تصرفات تمويهية، قبول نقل ملكية دون مقابل واضح أو مبرر اقتصادي.

    الأفعال الإلكترونية: التحويل عبر البنوك الرقمية أو المحافظ المشفرة، نقل الأصول الافتراضية كالعملات الرقمية، إخفاء الأموال عبر منصات إلكترونية يصعب تتبعها.

    تتصف هذه الأفعال بكونها مادية في ظاهرها لكنها تحمل نية جنائية كامنة تتمثل في تعطيل التنفيذ ويعد هذا اتساعا في مفهوم الجريمة المالية التنفيذية التي لم تكن تجرم بهذه الصورة سابقا إلا في سياقات ضيقة كجرائم النصب، ولا يشترط لقيام الجريمة أن تكون الأموال كبيرة أو أن تنجح عملية الإخفاء بل يكفي أن تكون النية متوافرة وأن يكون الفعل من طبيعة تمكن المدين من التهرب وهذا ما يبرز الطابع الوقائي للنص والذي يعاقب على مجرد التصرف الضار حتى وإن لم يتحقق الضرر فعليا بعد.

    ثانيا: تحليل الركن المعنوي: الركن المعنوي في المادة 284 يتخذ طابعا مركبا، إذ يجمع بين العلم الفعلي بوجود دين ثابت والإرادة الحرة في مساعدة المدين على التهرب من التنفيذ، وهذا القصد الجنائي الخاص هو ما يميز الجريمة عن التصرفات المدنية المشروعة التي قد تتم بين المدين وأقاربه أو شركائه لأسباب تجارية بحتة.

    ويفترض أن يتكون العلم من عنصرين: 1 – العلم بالدين: أي معرفة المتهم بوجود سند تنفيذي نهائي ضد المدين، 2- العلم بالغاية: أي إدراكه أن الغرض من التصرف هو منع التنفيذ.

    أما الإرادة فتتمثل في الرغبة الفعلية في تسهيل تهريب المال من يد الدائن سواء عن طريق الإخفاء أو السيطرة أو نقل الملكية وقد تستدل هذه النية من القرائن كالعلاقة بين الطرفين عدم وجود مقابل أو السرعة في التصرف بعد صدور الحكم.

    ويلاحظ أن المادة لا تتطلب نية الإضرار بالدائن صراحة بل يكفي القصد في تعطيل التنفيذ مما يجعل الجريمة قائمة حتى لو لم يعرف الجاني هوية الدائن أو حجم الدين طالما كان يعلم بوجوده وبغرض التمكين من التهرب منه.

    ثالثا: العقوبة المقررة للجريمة وحالات الإعفاء منها: العقوبة المنصوص عليها في المادة 284 مماثلة لما ورد في المادة 283 وهي الحبس الذي لا يتجاوز ثلاث سنوات أو الغرامة التي لا تتجاوز 5 آلاف دينار كويتي أو بإحدى هاتين العقوبتين وتظهر هذه العقوبة أن المشرع ينظر إلى تدخل الغير في إخفاء أموال المدين على نفس الدرجة من الخطورة كما لو قام بها المدين نفسه.

    نصت المادة 284 صراحة على حالات استثنائية تؤدي إلى الإعفاء من العقوبة أو وقف تنفيذها، وذلك تحقيقا للعدالة الترميمية وتشجيعا للمخاطبين بالنص على التعاون مع الجهات المختصة واستعادة الأموال محل الجريمة وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي: انقضاء الدعوى الجزائية إذا قام الشخص الذي استلم أو تلقى أو حاز أو نقلت إليه الأموال بتسليمها إلى إدارة التنفيذ أو إلى جهة التحقيق وذلك قبل صدور حكم نهائي بقصد استيفاء الدين من المدين بحسب قواعد التزاحم بين الدائنين، إذا تم تسليم الأموال بعد صدور حكم نهائي بالإدانة يجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم أن تأمر بوقف تنفيذ العقوبة بناء على طلب من المحكوم عليه وهو إجراء مرن يعكس نية إصلاحية أكثر من الزجرية.

    يسري على هذه الحالة ذات الأثر القانوني المترتب على الوفاء بالدين أو الصلح أو العفو كما ورد في المادة السابقة (المادة 283) وهو ما يعزز من الطابع التصالحي للنص في حال تحقق الغاية من التجريم أي ضمان استرداد المال الموجه لسداد الدين التنفيذي.

    تظهر هذه الإعفاءات حرص المشرع على التوازن بين الردع والعفو المشروط بحيث تمنح فرصة للتراجع والتعاون دون الإضرار بحقوق الدائنين وبما يضمن حماية مصالح العدالة دون الإخلال بالحق في العقاب.

    المبحث الثالث: جريمة التحايل المالي بالتصرف غير المتكافئ بقصد التهرب من التنفيذ، ونصت المادة 285 على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مدين تصرف في أمواله أو حقوقه بأقل من سعرها أو قيمتها التي تداول فيه بالأسواق بفارق ملحوظ قاصدا من ذلك عدم الوفاء بما عليه من ديون ثابتة بموجب سند تنفيذي.

    ويسري أثر الوفاء بالدين أو الصلح أو العفو المنصوص عليه في المادة (283) على المتهم وفق أحكام هذه المادة.

    أولا: تحليل الركن المادي للجريمة: يعد الركن المادي في المادة 285 من أكثر صور التهرب من التنفيذ تعقيدا نظرا لطابعه المدني الظاهري وارتباطه بتصرفات قانونية تبدو في ظاهرها مشروعة كبيع أو التنازل عن الأموال غير أن جوهر الفعل هو ما يجسد الإجرام أي أن يكون الهدف من هذا التصرف المالي إضعاف الذمة المالية للمدين من خلال تصرف غير متكافئ في القيمة.

    لا يقوم المدين هنا بتهريب الأموال مباشرة بل يضعف الذمة بوسيلة غير مباشرة: بيع بأقل من السعر الحقيقي رهن صوري أو تنازل مجاني دون مبرر ويتم تقييم هذا الفعل بالنظر إلى:

    – مدى التناسب بين السعر الفعلي والقيمة السوقية وقت التصرف.

    – نوع المال المتصرف فيه (عقار منقول حق شخصي أو عيني)

    – هوية المتصرف إليه (قريب شركة يملكها طرف لا علاقة له).

    ويراعى أن المادة لا تتطلب تحقق الضرر فعليا بل يكفي أن يكون الفعل من طبيعته أن يضعف الوفاء بالدين فمجرد البيع بخسارة جسيمة ولو قبل التنفيذ يدخل في دائرة التجريم إن اقترن بالقصد الخاص كما تشمل الصور المجرمة أي تصرف يؤدي إلى تخفيض ظاهر في الذمة المالية كإعادة تقييم الأصول دون سند أو تقديم تنازلات تعاقدية غير مبررة.

    ويمكن مقارنة نص المادة 285 مع ما ينص عليه القانون الإيطالي على جريمة تعرف باسم الإضعاف الاحتيالي للذمة المالية والواردة في المادة 313 من قانون العقوبات، والتي تعاقب كل من يخلف بفعل إرادي خفضا في الذمة المالية بقصد التهرب من الوفاء بالتزام قانوني أو حكم قضائي.

    وهذا النص الإيطالي يعد متقاربا مع نص المادة 285 من القانون الكويتي من حيث التركيز على: – تصرف قانوني مشروع في الظاهر- انخفاض غير مبرر في قيمة المال- نية الإضرار بإمكان التنفيذ.

    ويلاحظ أن المشرع الكويتي في المادة 285 توسع بشكل دقيق في تحديد معيار القيمة السوقية والتفاوت الملحوظ ما يمنح القاضي أدوات تفسيرية واضحة أكثر من النموذج الإيطالي الذي يعتمد على التقدير الكلي دون معيار سعر السوق الصريح.

    ويتميز الركن المادي في المادة 285 بطبيعته المركبة حيث يشمل تصرفا قانونيا ظاهره مشروع لكنه يحمل أثرا مدمرا للذمة المالية ويهدف إلى تعطيل التنفيذ ويركز النص على معيار التفاوت في القيمة المالية بين ما تم التصرف به وما يقابله من ثمن أو عوض كأداة موضوعية لقياس الاحتيال.

    ويتم التحقق من الركن المادي عبر تقارير الخبراء العقاريين أو المحاسبين القانونيين مما يظهر أن الركن المادي ليس فعلا ماديا بسيطا بل يتطلب خبرة مهنية لتقدير (الفارق الملحوظ) وقد يختلف هذا الفارق بحسب طبيعة المال والسوق والظرف الزمني مما يعطي القاضي سلطة تقديرية واسعة مدعومة بأدلة فنية.

    ويتأسس الركن المادي في المادة 285 على تصرف المدين في أمواله أو حقوقه بثمن يقل عن السعر العادل أو القيمة السوقية التي تتداول بها تلك الأموال في السوق ويشترط أن يكون هذا التصرف مصحوبا بفارق ملحوظ في القيمة بحيث لا يمكن تفسيره كمجرد خسارة تجارية معتادة أو تفاوض تفاوتي مشروع.

    ومن صور التصرفات المجرمة ضمن هذا السياق:

    – بيع عقار أو مركبة أو سلعة استهلاكية بسعر يقل كثيرا عن متوسط السوق.

    – التنازل عن أسهم أو سندات مالية مقابل مبلغ رمزي.

    – إبرام عقد صوري للتنازل عن حق مالي دون مقابل فعلي.

    – التنازل عن حصة في شركة مقابل مبلغ رمزي رغم وجود أرباح ثابتة لها.

    – إعادة تقييم الأصول بثمن منخفض لتقليص القيمة الدفترية.

    ويمتد التجريم أيضا إلى الحقوق المعنوية مثل التنازل عن مطالبات مالية تجاه الغير (كديون له على الغير) مقابل عائد ضئيل أو غير منطقي الفارق الملحوظ شرط جوهري في تحقق الركن المادي ويقدر في ضوء تقارير الخبراء أو معايير السوق وقد تختلف درجة الفارق بحسب نوع المال المتصرف فيه وظروف السوق في وقت التصرف.

    ولا يشترط أن يترتب على التصرف ضرر فعلي حال بالدائن بل يكفي أن يضعف التصرف قدرة المدين على الوفاء ويكون من طبيعته إضعاف الذمة المالية، كما لا يشترط إتمام التنفيذ الفعلي للتصرف بل يكفي البدء فيه متى توفرت نية التهرب.

    ثانيا: الركن المعنوي للجريمة: يتطلب الركن المعنوي في المادة 285 توافر قصد جنائي خاص يتمثل في علم المدين بالدين الثابت بموجب سند تنفيذي وإرادته الحرة في التصرف بالأموال أو الحقوق بثمن بخس بهدف الإضرار بإمكان تنفيذ الحكم أو الوفاء بالدين.

    ولا يشترط وجود اتفاق مسبق مع الغير أو تواطؤ بل يكفي أن يكون المدين مدفوعا بغرض التهرب ويستدل على هذا القصد من الظروف المحيطة بالتصرف مثل: – توقيت التصرف فور صدور الحكم- غياب مبرر اقتصادي للبيع المنخفض- ارتباط المتصرف إليه بعلاقة قرابة أو تبعية بالمدين.

    ويراعى أن المدين في مثل هذه الحالات يحتفظ غالبا بالسيطرة الفعلية على المال رغم نقل ملكيته ظاهريا مما يدل على الصورية أو الغاية الاحتيالية الكامنة وتعامل نية التلاعب في القيمة المالية كعنصر مواز للنية في تهريب المال، ويعتبر الركن المعنوي في هذه الجريمة من النوع الخاص المركب ويشترط العلم بوجود دين ثابت قابل للتنفيذ وأن يكون التصرف مصدره نية الإضرار بقدرة الدائن على تحصيل حقه وهذه النية لا تستخلص من التصرف المجرد بل من ملابساته والسياق العام له، ومن القرائن التي يستدل منها على القصد الجنائي:

    – توقيت البيع بعد إعلان الحكم التنفيذي مباشرة.

    – العلاقة العائلية أو الاقتصادية بين البائع والمشتري.

    – غياب مستندات تجارية تبرر انخفاض السعر.

    – احتفاظ المدين باستخدام الشيء المتنازل عنه بعد البيع ما يدل على صورية التصرف.

    ويكمن التحدي في الركن المعنوي في إثبات (القصد الخاص) أي أن الغاية من التصرف لم تكن فقط بيع المال أو الحصول على سيولة بل حرمان الدائن من التنفيذ ويعد هذا العنصر فاصلا بين التصرف المدني المسموح وبين التصرف الإجرامي المعاقب عليه وتتيح المادة 285 للنيابة العامة إثبات القصد عبر مجموعة من القرائن المترابطة دون حاجة لإقرار صريح من المدين.

    ثالثا: العقوبة المقررة وحالات الإعفاء منها: نصت المادة على أن العقوبة هي الحبس لمدة لا تجاوز سنتين أو الغرامة التي لا تجاوز 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.

    كما نصت المادة على سريان أثر الوفاء أو الصلح أو العفو كما هو وارد في المادة 283 وهو ما يسمح بإسقاط الدعوى أو وقف العقوبة حال تحقق أحد هذه الأسباب في إطار فلسفة قانونية تراعي إعادة التوازن دون التركيز المطلق على العقاب.

    وأقر المشرع في المادة 285 تطبيق أثر الإعفاء من العقوبة كما ورد في المادة 283 وهي ميزة تشريعية تهدف إلى تشجيع السلوك الإيجابي من جانب المدين حتى بعد ارتكابه الفعل الإجرامي متى تحقق الغرض من التجريم وهو الوفاء بالدين أو الوصول إلى تسوية بين الأطراف.

    وتتمثل أسباب الإعفاء فيما يلي: – أولا: الوفاء الكامل بالدين موضوع السند التنفيذي سواء تم قبل تحريك الدعوى أو أثناءها أو بعد صدور حكم نهائي – ثانيا: حصول صلح بين المدين والدائن بشأن الدين التنفيذي بما في ذلك إعادة الجدولة أو تقسيط المبلغ المتفق عليه – ثالثا: العفو الصريح من الدائن وهو تنازل إرادي عن حقه في المطالبة الجزائية، ويترتب على تحقق أحد هذه الأسباب:

    – انقضاء الدعوى الجزائية إذا تم ذلك قبل صدور الحكم.

    – وإذا تم بعد صدور حكم نهائي بالإدانة يجوز للمحكمة وقف تنفيذ العقوبة بناء على طلب من المحكوم عليه.

    يعكس هذا النص اتجاها تشريعيا حديثا يغلب فيه الاعتبار العملي لاستيفاء الحقوق على العقوبة المجردة ويعيد ترتيب الأولويات وفقا لمصالح الدائن والدولة بما يحقق العدالة ويحد من اللجوء إلى العقوبة إلا كوسيلة أخيرة.

    المبحث الرابع: الاختصاص بالتحقيق: تنص المادة 286 على أنه تختص النيابة العامة بالتحقيق والتصرف والادعاء في الجرائم الواردة في هذا البند.

    تعد المادة 286 من المواد الإجرائية البحتة التي تحدد الجهة المختصة بإجراء التحقيق وتحريك الدعوى الجزائية بشأن الجرائم المنصوص عليها في المواد 283 و284 و285 من الباب ذاته، وقد أسند المشرع هذا الاختصاص للنيابة العامة بصفتها الجهة القضائية الوحيدة المخولة بالتحقيق والتصرف والادعاء في الجرائم الواردة في هذا البند.

    خاتمة: في خضم التحولات التي يشهدها الفكر القانوني الحديث لم تعد العلاقة بين الدائن والمدين تفهم على أنها مجرد رابطة تعاقدية مدنية تقوم على حرية الإرادة وحسن النية بل أصبحت تمثل مدخلا لفهم أعمق لطبيعة الالتزام في المجتمع القانوني وما يترتب عليه من مسؤوليات تتجاوز النطاق الفردي لتطال البنية المؤسسية للدولة، فمن دون قدرة فعلية على إنفاذ الأحكام يفقد النظام القضائي جوهره ويتحول من سلطة ضامنة للحقوق إلى جهاز صوري ينتج أحكاما غير قابلة للتنفيذ فتنهار الثقة ويضطرب التوازن الاقتصادي والاجتماعي.

    إن جريمة الإعسار الاحتيالي في هذا السياق ليست جريمة عادية تقاس بخطورتها على المال أو المصلحة الفردية بل هي فعل يقوض هيبة القضاء ويضرب في عمق سلطة الدولة على فرض النظام العام القانوني فهي تتعلق بالمشروعية التنفيذية، أي قدرة المجتمع على فرض احترام الالتزامات بقوة القانون وهي الجريمة التي وإن اتخذت شكل تصرفات مدنية مشروعة في ظاهرها فإن جوهرها يفصح عن نية مضمرة لتعطيل أدوات الدولة القضائية. وتتجلى أهمية المعالجة الجنائية لهذه الجريمة في أن الوسائل التقليدية كالدعوى المدنية أو الحجز التحفظي أثبتت محدوديتها في مواجهة سلوكيات ذات طابع احتيالي معقد تمتهن فيها الصورية ويستخدم فيها القانون كساتر للهروب من القانون ذاته، ولهذا فإن التجريم في هذا المجال يعبر عن انتقال من فلسفة العقاب على الفعل الضار إلى فلسفة وقائية تحمي الثقة العامة وتحفظ استقرار المعاملات.

    وقد برز هذا التحول في التشريعات المقارنة وفي مقدمتها النموذج الفرنسي الذي اعتبر تعطيل التنفيذ مساسا بوظيفة القضاء وليس فقط بحقوق الدائن وهو ما انسجم معه التشريع الكويتي الجديد حين أضفى صفة الجرم على صور متعددة من تهرب المدين موسعا بذلك من نطاق الحماية الجنائية لإجراءات التنفيذ.

    وتؤكد هذه الدراسة أن المنظور التقليدي للمدين الذي يمنحه حرية مطلقة في التصرف بأمواله ولو على حساب حقوق دائنيه لم يعد كافيا في عالم تتعقد فيه الجرائم المالية وتتداخل فيه المصالح العابرة للحدود بل إن العدالة الحديثة تتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الحرية والمسؤولية وبين الإرادة الذاتية والرقابة العامة بما يحفظ للنظام القضائي هيبته وللمجتمع استقراره وللدائنين حقوقهم المشروعة. وختاما، فإن تجريم الإعسار الاحتيالي يجب ألا ينظر إليه على أنه تقييد لحرية المدين بل كوسيلة لضمان عدم إساءة استخدام هذه الحرية في إفراغ القانون من محتواه، فالحماية الجنائية هنا ليست غاية زجرية بل هي تعبير عن إرادة جماعية لصيانة العدالة من التحايل ولإعادة الاعتبار لفكرة أن الدولة التي لا تحمي تنفيذ أحكامها إنما تقر ضمنيا بانكسار سيادة القانون فيها.

    الهوامش

    1- Jean Pradel, Droit pénal spécial, 19e éd, Cujas, 2020, p 221

    2- Gérard Cornu, Vocabulaire juridique, 11e éd, PUF, 2022

    3- Cass crim, 5 décembre 2000, n° 99-86176

    4- Cass crim, 21 janvier 1998, n° 96-85847

    5- Cass crim, 28 mai 2013, n° 12-83847

    6- Code pénal français، art 314-7, Loi n° 92-1336 du 16 décembre 1992, en vigueur depuis le 1 mars 1994

    7- Strafgesetzbuch (StGB), §283 – Insolvenzstraftaten, Allemagne

    8- Legge Fallimentare، art 216, Italie

    9- Fraud Act 2006, United Kingdom, Section 2

    10- BGH, Urteil vom 10102002 – 5 StR 329/02

    11- Cassazione Penale, Sez V, Sent n 1234/2014

    12- R v Augunas [2019] EWCA Crim 59

    13- Carlo Enrico Paliero, Il diritto penale del nemico, Giuffrè, 2011

    شاركها. فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr تيلقرام واتساب البريد الإلكتروني

    مقالات ذات صلة

    الكندري لـ«الأنباء»: اعتماد الخطة التشغيلية للسنة المالية الحالية لقطاع الرعاية الاجتماعية

    إسرائيل تسمح بدخول مؤقت لمساعدات غزة بعد ضغط أميركي

    برونو روتايو يقود الجمهوريين الفرنسيين: انتصار يعيد ترتيب المشهد اليميني

    العميد مشعل الفرج: 5 آلاف دينار مخالفة الصيد في جون الكويت أوقات الحظر

    شهيد كل 15 دقيقة في غزة وسلسلة غارات عنيفة على خان يونس

    سوريا: قتلى وجرحى في انفجار استهدف مخفر شرطة مدينة الميادين في ريف دير الزور

    سحب وفقد الجنسية الكويتية من 162 شخصاً

    الأونروا: إسرائيل قتلت أكثر من 300 من موظفينا في غزة

    انتحار وهروب من الخدمة.. الجيش الإسرائيلي يستدعي “المصابين نفسيًا” إلى الحرب

    اترك تعليقاً
    اترك تعليقاً إلغاء الرد

    اخر الأخبار

    الجبير يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان

    الإثنين 19 مايو 8:10 ص

    في أول كلمة له بعد اشتباكات طرابلس.. الدبيبة: المجموعات المسلحة تغوّلت

    الإثنين 19 مايو 7:59 ص

    إسرائيل تسمح بدخول مؤقت لمساعدات غزة بعد ضغط أميركي

    الإثنين 19 مايو 7:58 ص

    دبي القابضة تعلن زيادة حجم الطرح العام الأولي لمساكن دبي ريت

    الإثنين 19 مايو 7:47 ص

    مصر: أسعار الذهب تواصل الخسائر.. عيار 21 عند 4715

    الإثنين 19 مايو 7:45 ص
    اعلانات
    Demo

    رائج الآن

    حراك أمريكي بريطاني لتهدئة دائمة بين الهند وباكستان

    الإثنين 19 مايو 7:43 ص

    برونو روتايو يقود الجمهوريين الفرنسيين: انتصار يعيد ترتيب المشهد اليميني

    الإثنين 19 مايو 7:26 ص

    التحول الرقمي في موسم الحج.. منصات وتطبيقات ذكية تُسهل رحلة ضيوف الرحمن

    الإثنين 19 مايو 7:24 ص

    العميد مشعل الفرج: 5 آلاف دينار مخالفة الصيد في جون الكويت أوقات الحظر

    الإثنين 19 مايو 7:15 ص

    مغادرة الفوج الأول من الحجاج التونسيين إلى المشاعر المقدسة

    الإثنين 19 مايو 7:09 ص
    فيسبوك X (Twitter) تيكتوك الانستغرام يوتيوب
    2025 © وادي السعودية. جميع حقوق النشر محفوظة.
    • من نحن
    • سياسة الخصوصية
    • إعلن معنا
    • اتصل بنا

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter

    تسجيل الدخول أو التسجيل

    مرحبًا بعودتك!

    Login to your account below.

    نسيت كلمة المرور؟