قالت الكاتبة إيما غراهام-هاريسون في تقرير نشرته صحيفة غارديان إن إسرائيل تتحكم بالكامل بتدفق الغذاء إلى غزة، وتتعمد عدم إدخال كمية المساعدات المطلوبة لتلبية احتياجات الغزيين، مما يجعل المجاعة الجماعية نتيجة مباشرة لسياسة متعمدة.
وأكدت الكاتبة أن إسرائيل تعرف بدقة كمّ الغذاء الذي يحتاجه سكان غزة للبقاء على قيد الحياة، وسبق أن حسبت الكمية بدقة في وثائق رسمية، ولكنها رغم ذلك لا تسمح إلا بدخول جزء ضئيل من المساعدات الضرورية.
وأفاد التقرير بأن عدد الوفيات الناتجة عن الجوع في غزة خلال 11 يوما فقط تجاوز حصيلة 21 شهرا من الحرب، وأكدت الكاتبة أن البيانات الإسرائيلية تدحض مزاعم تل أبيب بشأن غياب المجاعة الجماعية.
سياسة تاريخية
وأوضحت الكاتبة أن إسرائيل كانت على مدى العقود الماضية تتحكم في مستويات الجوع في غزة من خلال التلاعب بكميات الغذاء التي تدخل القطاع بهدف ممارسة الضغط على الغزيين من دون التسبب بمجاعة.

وأشار المقال إلى أن مستشارا بارزا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت صرّح في 2006 بأن “الهدف هو وضع الفلسطينيين على حمية غذائية من دون أن يموتوا جوعا”.
وفي 2008، حسبت وكالة “كوغات” الإسرائيلية، التي لا تزال تسيطر على دخول المساعدات إلى غزة، أن الحد الأدنى المطلوب يوميا للفرد هو نحو 2300 سعرة حرارية، أي ما يعادل 1.8 كغ من الطعام لكل شخص.
وتطالب منظمات الإغاثة الدولية في غزة الآن بكميات أقل من ذلك، تُقدّر بـ62 ألف طن من المواد الغذائية الجافة والمعلبة شهريا لتلبية الاحتياجات الأساسية لنحو 2.1 مليون نسمة، أي ما يعادل 1 كغ فقط يوميا للفرد، وفق التقرير.
وحسب بيانات “كوغات” نفسها، لم تسمح إسرائيل -خلال الفترة ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران- إلا بدخول 56 ألف طن فقط من الغذاء إلى القطاع، وهو ما يمثل أقل من ربع الكمية المطلوبة، وهو ما اعتبرته الكاتبة دليلا على وجود سياسة تجويع متعمّدة.
إنكار يخالف البيانات
وحسب الكاتبة، فإن المسؤولين الإسرائيليين دأبوا بشتى الطرق على إنكار وجود مجاعة جماعية، وادّعوا من دون تقديم دليل أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تسرق المساعدات وتخزنها، أو حمّلوا الأمم المتحدة مسؤولية الإخفاق في توزيع الغذاء مستعرضين صورا لأكوام من المساعدات بانتظار التسلّم داخل الحدود.

ومن جانبها، أكدت لجنة مراجعة المجاعة، وهي مجموعة مستقلة من الخبراء تتابع تحذيرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن شحنات الغذاء إلى غزة كانت “غير كافية البتة”، وخصّت اللجنة بالذكر مؤسسة غزة الإنسانية، مشيرة إلى مسؤوليتها عن جزء كبير من هذا الإخفاق، وفق ما نقله المقال.
وقالت اللجنة في تقريرها “إن تحليلنا لحزم الطعام التي قدمتها مؤسسة غزة الإنسانية يُظهر أن خطة التوزيع المعتمدة ستؤدي إلى مجاعة جماعية، حتى لو عملت بشكل مثالي من دون مستويات العنف المروعة التي أُبلغ عنها”.
وأوضحت أيضا أنه حتى لو جمعت كل أكياس الدقيق التابعة للأمم المتحدة وتوزيعها بكفاءة، وتمكنت مؤسسة غزة الإنسانية من تطوير أنظمة توزيع آمنة وعادلة، فإن المجاعة كانت ستبقى أمرا محتوما، لأن الغذاء ببساطة لا يكفي، وفق التقرير.
ولفتت الكاتبة إلى تحذيرات خبراء أمن غذائي مدعومين من الأمم المتحدة قالوا إن “أسوأ سيناريو ممكن للمجاعة” يحدث حاليا في غزة، وأكدوا أن عمليات تسليم الغذاء أقل بكثير من الحد المطلوب، وأن دخول المساعدات يواجه “قيودا صارمة”.

مجاعة مصنعة
وحسب المقال، أظهرت بيانات إسرائيلية أن إسرائيل أجرت عمليات إنزال جوي للمساعدات لمدة 104 أيام من أصل 21 شهرا من الحرب، ولكنها وفرت كمية غذائية تعادل احتياجات القطاع لـ4 أيام فقط وبتكلفة بلغت عشرات الملايين من الدولارات.

ولو أن هذا المبلغ أُنفِق على الشاحنات، وفق حسابات الكاتبة، لكان بالإمكان إدخال كميات أكبر بكثير من الطعام، ولكن هذه الممارسات المخطط لها تتيح لإسرائيل وحلفائها تصوير المجاعة على أنها أزمة لوجستية وليست نتيجة مباشرة لسياسات متعمدة تنتهجها الدولة.
وأوضحت الكاتبة أن عمليات الإسقاط الجوي تُستخدم عادة كخيار أخير لإيصال الغذاء في حالات الطوارئ عندما تحول القوات المتحاربة أو التضاريس دون إمكانية إيصال المساعدات.
أما في غزة، تتابع الكاتبة، فإن العائق الوحيد أمام دخول المساعدات عبر المعابر البرية وإنهاء المجاعة فيتمثل في القيود التي تفرضها إسرائيل ومن يدعمها.