د. خالد بن إبراهيم العليان
كثيرًا ما ترتب على المعاملات بين الناس ترتيب حقوق بين الدائن والمدين وانشغال ذمة المدين لدائنه، وربما امتنع المدين عن أداء ما وجب عليه لدائنه حين حلول أجله؛ ما يتقرر معه إلجاء الدائن إلى إقامة دعوى ومباشرتها أمام القضاء لأجل استيفاء حقه، ما يستلزم من ذلك نفقات يضطر إلى بذلها الدائن لأجل الحصول على حقه، وربما ترك بعض الدائنين حقوقهم لما تقتضيه إقامة الدعوى من مصروفات، وهذا لا يتفق مع مقصد الشارع من شرعية الدعوى والوفاء بالحقوق.
وما يغرمه الدائن في سبيل مباشرته دعواه على صور متعددة، منها أموال تبذل للتنقلات والسفر والإقامة؛ إذ أن الدعوى الأصل أنها تقام في مكان إقامة المدعى عليه، ومنها ما يبذل لأجل ندب خبير يتوقف رأيه في مسألة محلها الفصل في النزاع، ومنها ما صُورتُه فوات منافع وأوقات مصروفة وجهد مبذول في مباشرة الدعوى.
ومفهوم الدعوى عند الفقهاء: إضافة الإنسان إلى نفسه شيئًا في يد غيره أو ذمته.
ومصروفات الدعوى تُعد من قُبيل الضمان بالتسبب، إذ أن المدين بسبب مماطلته ألجأ الدائن إلى مصروفات هذه الدعوى وبذل هذه المصروفات، فكأنه أتلف ماله فتحقق وجوب الضمان، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مسألة مصروفات الدعوى، إذ قرر على أنه “إذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء ومطل صاحب الحق حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه صاحب الحق بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل إذا كانت على الوجه المعتاد.”، وتضمنت العديد من نصوص الأنظمة السعودية جواز الحكم في مصروفات الدعوى والإقرار بها في مختلف الدعاوى المدنية، والجزائية، والإدارية يُرجع إليها في مضانها.
ومما يتعين تجليته أن الحكم بمصروفات الدعوى يستلزم معه تحقق شروط عدة، منها تحقق الضرر؛ إذ أن الأصل الذي يُبنى عليه تضمين مصروفات الدعوى تحقق الضرر، وصورة الضرر هنا إتلاف بالتسبب، وكذا حصول التعدي؛ إذ أن الحكم بمصروفات الدعوى مبناه على الضمان بالتسبب، وأظهر هذه الشروط الحكم للمدعي في دعواه الأصلية وهذا ظاهر، وقد تضمنت النصوص النظامية حين تقرير مسألة أحكام الترافع على أنه يجوز الحكم بهذه المصروفات على من خسر دعواه، ومما يحسن تقريره هنا أن استظهار تحقق شروط مصروفات الدعوى والحكم بها سلطة تقديرية للدائرة، والنصوص المقررة لمصروفات الدعوى جوازية لا وجوبية.