جنين- بصعوبة أنهى أحمد اجتماع عمل عبر خاصية الزوم، بعد أن اضطر لمغادرة الشقة التي نزح إليها مع عائلته والتوجه إلى مكان فارغ قربها، يصله الإنترنت، كي يتم اجتماعه بهدوء وباتصال مناسب.
نزح الشاب وعائلته إلى هذه الشقة الصغيرة، التي كانت مخصصة لسكن طلبة الجامعة الأميركية قرب جنين، منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي أو ما سمي “عملية السور الحديدي” في يناير/كانون الثاني الماضي على مخيم جنين، شمال الضفة الغربية.
يقول أحمد “الحياة هنا صعبة، وهذه الشقق مخصصة ليسكنها طلاب الجامعة وليس العائلات، وكلما زاد عدد أفراد الأسرة ومعهم أطفال، كلما زادت ظروف المعيشة صعوبة”.
مساحات ضيقة
ويعكس حال النازح أحمد واقع قرابة 700 عائلة فلسطينية اضطرت للعيش في مساكن الجامعة العربية الأميركية القريبة من بلدة الزبابدة جنوبي جنين، وتوزعت على قرابة 20 بناية سكنية.
يقول أحمد “كل العائلات التي سكنت هنا، لم تجد مكانا تنزح إليه في قرى جنين أو في المدينة لعدم وجود أقرباء ومعارف لهم أو لعدم قدرتهم على دفع إيجارات المنازل في هذه الأماكن”.
ويضيف المتحدث ذاته أن “محسنين تكفلوا بدفع إيجار المساكن، وتم الاتفاق مع لجنة خدمات مخيم جنين لتغطية المستحقات، لكن من دون الخدمات الأساسية الأخرى كالماء والكهرباء وفواتير الإنترنت”.
وبعد 7 أشهر على نزوح قرابة 22 ألف مواطن من مخيم جنين ومحيطه، توزع النازحون على قرى ومدينة جنين؛ تركز الجزء الأكبر منهم في مساكن كانت مخصصة للطلبة. وبحسب النازحين فإن العيش في هذه الشقق الصغيرة لا يوفر حياة كريمة، فلا مجال للخصوصية فيها، ولا مساحة لحركة الأطفال، و تبلغ مساحة أكبر شقة قرابة 50 مترا مربعا.
ويوضح أحمد أن الناس مقهورون، ولم يتقبلوا ما حدث، إذ خلق النزوح حالة من التفكك في العلاقات الاجتماعية بين الناس، وتفرقت العائلات التي كانت تسكن في نفس البناية، في اتجاهات مختلفة، وأصبح اجتماعهم صعبا، دون القدرة على معرفة متى يمكنهم الرجوع.
و تشكل المناسبات الجزء الأكبر من وجع النازحين، إذ تفتقد العائلات، اجتماعها في الأعياد والأفراح وحتى الأتراح، بسبب بعد المسافة بين مساكن النازحين وبقية القرى التي توزعت عليها عائلاتهم وأقاربهم. كما يعاني الطلاب من صعوبة الوصول إلى المدارس.
لا مصدر للدخل
يقول الحاج أبو أحمد السعدي، الذي نزح إلى مساكن الجامعة مع اثنين من أبنائه، البالغ عددهم عشرة، فيما تفرقت بقية العائلة إلى قرى برقين وكفر راعي وبير الباشا وغيرها من بلدات جنين، “لا أستطيع الوصول إليهم في القرى التي نزحوا إليها، المسافات بعيدة ولا أملك مركبة تقلني والمواصلات مكلفة، آخر مرة اجتمعنا كعائلة كانت يوم العيد لمدة نصف ساعة فقط حين قدموا لزيارتي في السكن”.
ويضيف، في حديث للجزيرة نت، أنه كان يملك منزلا من 4 طوابق في المخيم، في حين يعيش اليوم في شقة سكنية صغيرة مكونة من غرفتين ومطبخ. ويشبّه الحياة في السكن الجامعي بـ”السجن”، فهو لا يلتقي بجيران المخيم، ولا يعرف إلى أين نزحوا، فيما خسر أولاده أعمالهم، واضطروا لطلب المساعدات التي توزّع عليهم بشكل متقطع.
وتوزع لجنة خدمات مخيم جنين بالتعاون مع تجار من المدينة المجاورة وجمعيات خيرية طرودا غذائية للنازحين، كما تتكفل بنقل المياه عبر صهاريج بالتعاون مع الدفاع المدني إلى خزانات السكن الجامعي، لكن الأهالي يعانون من فقدان عملهم ومصادر دخلهم منذ بدء النزوح، ويضطر بعضهم للعمل بنظام المياومة وهو ما لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية للعائلات.
وتقدم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، مساعدات مالية مرة كل شهرين، بينما تحاول لجانها الصحية تقديم خدمات طبية ورعاية صحية أسبوعية في مناطق النزوح الأساسية.
يقول السعدي “ابني يأخذ مصروفه اليومي مني منذ سبعة أشهر، بعد أن كان صاحب مصلحة في المخيم، هدموا المنازل ودمروا المحال التجارية ومصالح الناس، وتركونا للعوز والحاجة، كل ذلك لإنهاء المخيم ومن فيه والسيطرة على مدن الضفة كلها”.

من سيئ إلى أسوأ
وفي بلدة قباطية جنوب جنين نزحت أم وسام حنون، مع بقية أفراد أسرتها، تقول إنها كانت محظوظة لأنها استطاعت النزوح إلى منزل نجلها الذي كان قيد الإنشاء، لكن غيرها من سكان المخيم، اضطروا للسكن في بيوت قديمة ومهترئة وتحتاج إلى صيانة وتجديد، كانت الحل الوحيد أمامهم.
وتؤكد في حديثها للجزيرة نت أن “أهالي المخيم خرجوا بملابسهم، ولم يأخذوا شيئا من احتياجاتهم”. ومع اقتراب فصل الشتاء يعيش الناس الخوف من عدم توفر مستلزمات الشتاء من ملابس وأغطية وتدفئة.
وتضيف أم وسام أن الأمور تسير من سيئ لأسوأ خاصة مع طول المدة، موضحة أن الناس فقدت الأمل في أي حل، ولا يوجد بالمقابل أي جهة رسمية تتحدث بشكل واضح وصريح معهم عن مصيرهم في ظل استمرار عمليات الاحتلال العسكرية في المخيمات.
وبحسب النازحين، فإن أكبر معاناتهم تكمن في تلقي العلاج، حيث حرموا من العلاج المجاني عن طريق وكالة الغوث، وهو ما يضيف عبئا عليهم خاصة للحالات المرضية المزمنة التي تحتاج لأدوية دورية قد يصل سعرها في بعض الاحيان إلى 400 شيكل شهريا (الدولار= 3.4 شيكلات).
وبحسب بلدية جنين، فإن نسبة الدمار في البنية التحتية بالمدينة والمخيم بلغت نحو 70%، فيما لا تتجاوز نسبة الإصلاحات حتى الآن 20% فقط، رغم دعم الحكومة الفلسطينية بإطلاق حزمة مشاريع في شهر مايو/أيار الماضي.
وأكد مدير العلاقات العامة في البلدية، في لقاء صحفي، أن جنين تعيش حالة استنزاف متواصلة منذ نحو 210 أيام من بداية العدوان، فيما مخيم جنين خال من سكانه تقريبا، وأن المخيم يعاني انهيارا كاملا في بنيته التحتية، بعد تجريف أكثر من 650 بناية تضم مئات الوحدات السكنية، الأمر الذي فرض واقعا جغرافيا جديدا داخل المخيم، مع شوارع مستحدثة وأحياء مقطعة الأوصال.