ما الذي دفع الولايات المتحدة للقيام بسحب سريع لقواتها العسكرية من العراق؟ سؤال لا أحد في العراق يستطيع الإجابة عنه، لكن دوائر القرار الرسمي في العاصمة بغداد تتحدث سرّاً عن مخاوف من وراء هذا الانسحاب السريع الذي خالف الاتفاقات المبرمة مع واشنطن بهذا الشأن، ولا تخفي هذه الدوائر أن سحب القوات الأمريكية يضع البلاد أمام مواجهة محتملة مع نحو «40 ألف داعشي»، مع تنامي احتمال توجيه «ضربات إسرائيلية».
الحكومة العراقية قالت في موقف مقتضب إن أمر الانسحابِ صدرَ عن السفارة الأمريكية في بغداد، وبدأت عملية الإخلاء صباح (الأحد) الماضي، وأن جزءاً من القوات الأمريكية غادرت بالفعل قاعدة عين الأسد ومجمع قاعدة النصر (VBC) داخل مطار بغداد، مشيرة إلى أن القاعدتين ستخليان بالكامل خلال الأيام القليلة القادمة.
وأضافت أن نحو 2,000 جندي أمريكي كانوا متمركزين في قاعدة عين الأسد إلى جانب عدد آخر في قاعدة النصر، موضحة أن جزءاً من هذه القوات نقلت إلى أربيل.
ورسمياً، كان من المقرر أن تنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق بحلول نهاية 2025 وفق الاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن.
واجمع سياسيون عراقيون تحدثوا لـ «عكاظ» على أن سحب القوات الأمريكية بهذه الطريقة وبتلك السرعة مرتبط بترتيبات جديدة في المنطقة.
يقول الدبلوماسي العراقي السابق علي السعدون: «إن هناك سلسلة متغيرات بالمنطقة تتزامن مع الحديث عن الانسحاب بينها خطة محتملة لاقتحام إسرائيل غزة مطلع سبتمبر، واستهداف الحوثيين واستئناف الحرب مع إيران».
وأوضحت الحكومة العراقية أن مغادرة قوات التحالف تأتي في إطار «نقل العلاقات الأمنية مع دول التحالف إلى علاقات دفاعية ثنائية طبيعية».
وفي سبتمبر 2024، كشف وزير الدفاع ثابت العباسي اتفاقاً ينص على إنهاء مهمة التحالف على مرحلتين: الأولى تبدأ في 2024 وتستمر حتى 2025، فيما تنتهي المرحلة الثانية في 2026.
ويتواجد حالياً نحو 2,500 جندي أمريكي في العراق ضمن مهمة تدريبية واستشارية بعد أن خفض عددهم إثر دحر تنظيم «داعش» عام 2017.
بموازاة ذلك، يحذّر البرلماني السابق سعد العليمي من احتمال تعرض العراق لضربات عسكرية أو هجمات متطرفة بعد مغادرة القوات الأمريكية.
ويقول العليمي: «لا إسرائيل ولا أية دولة بالمنطقة يمكن أن تتجرأ على قصف العراق بوجود الأمريكيين لكن عند غيابهم لن تكون هناك حماية في (فكتوريا) أو (عين الأسد) حينها ستتحمل الحكومة العراقية المسؤولية عن أي عدوان سواء كان إسرائيلياً أو حتى من داعش».
وكشفت الخارجية العراقية أكثر من مرة أن تدخل واشنطن حال دون «ضربات إسرائيلية» للعراق، فيما أظهرت حرب الأيام الـ12 بين إيران وإسرائيل ضعفاً كبيراً في مجال الدفاع الجوي العراقي.
ويبقى مهماً أن القوى السياسية في العراق قد لا تدرك حجم التحديات خصوصاً أن داعش قد يشن هجمات منسقة مستفيداً من غياب الردع الأمريكي، فيما سيكون الإطار التنسيقي مسؤولاً إذا حدث انهيار أمني.
وفي المقابل، تؤكد القيادة العسكرية العراقية أن «داعش» لا يشكّل خطراً جدياً، وأن الجيش على أهبة الاستعداد، بينما عبرت السفارة الأمريكية في بغداد عن قلق عميق من توسع تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في المنطقة.
وفي يونيو الماضي، نفّذت القوات الأمريكية انسحابات «مفاجئة» من سورية قرب الحدود مع العراق، ما أثار مخاوف من عودة نشاط «داعش».
وقال مسؤولون عراقيون إن بقاء القوات الأمريكية على الحدود السورية لمحاربة التنظيم «أمر ضروري».
ويقدر وجود نحو 60 ألفاً من عوائل «داعش» في مخيمات سورية حدودية، نصفهم دون سن الـ20 ومتشبعون بالأفكار المتطرفة إلى جانب 10 آلاف قيادي معتقلٍ هناك بحسب جبار ياور الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة.
انسحاب القوات الأمريكية تزامن مع تحذيرات أمريكية من تمرير «قانون الحشد»، بالتوازي مع مشروع غربي يهدف إلى «تفكيك المقاتلين» وتحويلهم إلى مجاميع صغيرة داخل الجيش العراقي وهو ما ترفضه الفصائل المسلحة وتتوعد بالرد عليه.
ويعتقد غازي فيصل رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، أن انسحاب الأمريكيين قد يفتح الطريق أمام «موجة قصف إسرائيلي» تستهدف قواعد ومصانع صواريخ وطائرات مسيرة للفصائل المسلحة، مشيراً إلى أن بعض هذه المواقع تضم قيادات من الحرس الثوري ومقاتلين حوثيين.
وترفض الفصائل المعروفة مثل «كتائب حزب الله» و«النجباء» و«كتائب سيد الشهداء» تسليم سلاحها، مؤكدة أن «سلاح المقاومة سيبقى حتى بعد انسحاب الأمريكيين»؛ بسبب ما تصفه بـ«مخططات استهداف العراق».
أخبار ذات صلة