يقال إن المخرج الأميركي الشهير ألفريد هيتشكوك، الذي أخرج فيلم الجريمة الأسطوري “سايكو” (Psycho)، قد أدرك أهمية الموسيقى في تعزيز تأثير مشاهد الرعب. في البداية، كان من المقرر عرض مشهد القتل الشهير في الفيلم بدون موسيقى تصويرية، لكن الموسيقار بيرنارد هيرمان ابتدع مقطوعة “القتل”، التي جمعت بين صرخات الضحية وألحان الكمان، مما أحدث تصاعدًا دراميًا تركَ أثرًا لا ينسى لدى المشاهدين.
أثبتت الدراسات أن موسيقى أفلام الرعب تنشط نظام الاستجابة للخطر في مخ الإنسان. ووفقًا لخبراء علم النفس الصوتي، فإن بعض السمات الصوتية المتكررة في هذه الأفلام، مثل صوت الصراخ، تبعث على الفزع بشكل مباشر، سواء كان الصراخ بشريًا أو من خلال آلة موسيقية.
كيف تؤثر موسيقى الرعب على المخ؟
توصلت الباحثة كاثلين تريفور، المتخصصة في الإدراك الموسيقي بجامعة زيوريخ، إلى أن العديد من الإشارات الموسيقية في أفلام الرعب العالمية مشتقة من أصوات الصراخ البشري. وأوضحت أن الأصوات الخشنة تنفذ مباشرة إلى المخ دون حواجز، مما يؤدي إلى تحفيز استجابة معينة حتى لو كان الشخص نائمًا.
صوت الصراخ ينشط اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول عن التفاعل مع المواقف الخطرة، مما يؤدي إلى سلسلة من الاستجابات التحذيرية في الجهاز العصبي. الاستماع إلى صوت دوي قصير يجعل الشخص ينتفض، حيث تتخطى الإشارة العصبية مراكز القرار العليا وتعطي توجيهًا مباشرًا للتحرك لتفادي الخطر.
العناصر الموسيقية التي تثير الرعب
أشارت تريفور إلى أن موسيقى أفلام الرعب لا تهدف فقط إلى إثارة الفزع، بل تحضر المشاهد لذروة الحدث من خلال توليد شعور بالتوتر والترقب. خلال دراسة أجريت عام 2023، وجدت تريفور اختلافًا واضحًا بين الموسيقى المرعبة والموسيقى التي تثير القلق؛ فالأولى تكون صاخبة وخشنة، بينما الثانية تتميز بتنوع وتدرج في الإيقاع.
وفقًا لسوزان روجرز، الباحثة في الإدراك الموسيقي بجامعة بيركلي، فإن بعض الأصوات الموسيقية في أفلام الرعب تتشابه مع أصوات الخطر في الواقع، مثل صوت قعقعة منخفضة قد تشير إلى عاصفة أو زلزال. كما أن الإيقاعات السريعة التي تشبه نبضات القلب تضع المشاهد في حالة ترقب.
التأثير البيولوجي لموسيقى الرعب
أوضحت تريفور أن الإيقاعات غير المتوقعة في موسيقى الرعب تخلق شعورًا بالقلق المستمر. يُستخدم أحيانًا نغمات غير متوازنة أو منخفضة لمنع اعتياد المشاهد على الموسيقى، مما يحافظ على شعوره بالخوف. يعتقد أن مخ الإنسان يعمل كجهاز للتنبؤ؛ فعندما يستمع إلى إيقاع منتظم، يدخل في حالة هدوء، بينما الإيقاعات غير المتوقعة تنشط حالة الترقب.
تحدث هذه الظاهرة نتيجة ما يُعرف بـ”أخطاء التنبؤ”، حيث يتم تنشيط اللوزة الدماغية والحصين، وهما المسؤولان عن معالجة المعلومات الخطرة وتكوين الذاكرة. بعض أفلام الرعب تستخدم تسجيلات قديمة بجودة سيئة لإثارة شعور بالانزعاج يُعرف بـ”تأثير الوادي الغريب”.
ترى تريفور أن الهدف من هذه الموسيقى هو خلق شعور بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، وهو ما يعتبر مزعجًا على مستوى عميق في النفس البشرية.
مع استمرار الأبحاث في هذا المجال، من المتوقع أن نرى تطورات جديدة في كيفية استخدام الموسيقى في أفلام الرعب لتعزيز تجربة المشاهد. بينما تتجه الصناعة نحو تقنيات جديدة، يبقى السؤال حول كيفية تأثير هذه التطورات على مستقبل أفلام الرعب وموسيقاها.













