في عام 1978، نشر إدوارد سعيد كتابه “الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق”، وكانت أول فقرة من مقدمة كتابه أبلغ توصيف للصورة التي نقشها المستشرقون منذ قرون عن الشرق وأهله. يصف سعيد كيف وصف صحفي فرنسي مدينة بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مشيرًا إلى أنها تذكر بشاعر فرنسا فرانسوا رينيه دو شاتوبريان.
شاتوبريان، زعيم تيار الرومانسية في القرن التاسع عشر، أظهر ازدراءً شديدًا للعرب في كتابه “الطريق من باريس إلى القدس”. لم يكن شاتوبريان استثناءً؛ فقد سار المستشرقون بالتوازي مع الخطط العسكرية للإمبراطوريات الأوروبية، وتقاطعت بحوثهم مع المصالح الاستعمارية.
ظلال الاستعمار بين طيات كتب المستشرقين
اهتمام الأوروبيين بالحضارة العربية والإسلامية كان مختلف المقامات، لكن أغلب كتب المستشرقين، خاصة الفرنسيين، سارت بالتوازي مع دول أوروبا الغربية للاستيلاء على المشرق والمغرب الإسلامي عسكريًا وثقافيًا.
جاء هذا التقاطع من صميم رؤية استعمارية تسللت إلى البحوث الأكاديمية في مجالات العلوم الإنسانية، وتطرح نفسها بديلًا أرقى من الحضارات الأخرى.
يقول إدوارد سعيد إن الاستشراق “لم يكن مجالًا لحرية الفكر أو العمل حيال الشرق”. كان خطاب الاستشراق محتكرًا لمجالات البحث في كل ما يهم تاريخ الشرق والعالم العربي والإسلامي.
غوستاف لوبون.. سيرة باهرة لعالم أنصف العرب
غوستاف لوبون، عالم اجتماع فرنسي، عاش في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وألف كتاب “حضارة العرب”. نشر لوبون كتابه عام 1884، بعد رحلاته إلى الشرق الإسلامي وشمال أفريقيا.
زار لوبون عدة دول إسلامية، من بينها سوريا ومصر والجزائر. خلال رحلاته، وثّق ما شاهده من آثار الحضارة العربية الإسلامية.
يقول لوبون في كتابه “حضارة العرب” إن الحضارة العربية الإسلامية كانت عظيمة، وامتدت على مدى قرون، ولم تلقَ الاهتمام الكافي بدراستها.
كتاب “حضارة العرب”.. درة يتيمة في مواجهة مد الاستشراق التحقيري للعرب
كتاب “حضارة العرب” لم يكن مجرد نقل وقائع رحلة مؤلفه، بل فصّل فيه لوبون بإعجاب ما تركته الحضارة العربية الإسلامية من أثر في الأمم، بما في ذلك أوروبا.
يقول لوبون إن إدراك أهمية وقع الحضارة العربية لا يتم إلا بتخيل حال أوروبا قبل أن تتعرّف على ما خلّفه العرب والمسلمون من كتب العلوم والأدب والفنون.
نقد المركزية الأوروبية
رغم أن غوستاف لوبون اكتسب سمعة في العالم العربي لإنصافه الحضارة الإسلامية ودورها في النهضة الأوروبية، فإن بعض الباحثين الغربيين يشيرون إلى أن رؤيته كانت محكومة بإطار فكري تطوري هرمي.
هذا المنظور، الذي كان شائعًا في أواخر القرن التاسع عشر، حمل نزعة مركزية أوروبية ضمنية حتى عند من أبدى إعجابًا بالشرق.
في الختام، يظل كتاب “حضارة العرب” لغوستاف لوبون شهادة نادرة في البيئة الاستشراقية الفرنسية عن الفضل العلمي والفني والأخلاقي للحضارة الإسلامية.













