تناول مقال نشره مؤرخ تركي، غوكهان غوكتشك، في صحيفة يني شفق التركية الجذور التاريخية للعداء الأوروبي تجاه المسلمين، مركزًا على دور أسرة هابسبورغ في ترسيخ هذا العداء. ويعتبر الكاتب أن هذا العداء ليس حديث العهد، بل يعود إلى صراع تاريخي طويل الأمد، واستُغل سياسيًا عبر العصور، ما أثر على تشكيل التصورات المعاصرة عن التركوفوبيا والإسلاموفوبيا في أوروبا.
ويوضح المقال أن سلالة هابسبورغ، التي نشأت في سويسرا، توسعت عبر أوروبا بفضل التحالفات الزوجية، قبل أن تدخل في صراع مباشر مع الإمبراطورية العثمانية. هذا الصراع لم يكن مجرد تنافس على السلطة، بل أصبح فيما بعد رمزًا للصراع الحضاري بين الشرق والغرب، وفقًا لتحليلات الكاتب.
جذور العداء التاريخي: التركوفوبيا وتطورها
لم يقتصر العداء تجاه العثمانيين والأتراك على المعارك العسكرية الكبرى مثل معركة ملاذكرد أو فتح القسطنطينية. بل يرى غوكتشك أن هذا العداء تبلور بشكل أكثر وضوحًا في سياق الصراع بين أسرة هابسبورغ والإمبراطورية العثمانية، خصوصًا وأن هابسبورغ كانت تعتبر نفسها حامية الكاثوليكية في أوروبا.
وبدأ تشكيل هذا التصور مع توسع نفوذ هابسبورغ في القرن السادس عشر. فقد استغلوا صعود الإمبراطورية العثمانية ونشاطها العسكري للقلق بشأن الهوية المسيحية لأوروبا. تزامن ذلك أيضًا مع ظهور البروتستانتية، ما أضاف بعدًا دينيًا آخر للصراع.
دور الدعاية السياسية في ترسيخ الصورة النمطية
استخدمت أسرة هابسبورغ الدعاية السياسية بشكل فعال لتصوير العثمانيين كتهديد وجودي للمسيحية. وقد استندت هذه الدعاية إلى وصفهم بـ “الكفار” و “المتعدين”، مع التركيز على الاختلافات الدينية والثقافية بين الطرفين. ووفقًا للمقال، ساهمت هذه الدعاية في تشويه صورة العثمانيين في أذهان الأوروبيين.
ويشير الكاتب إلى وصف أوجيه دي بوسبيك، سفير آل هابسبورغ لدى الدولة العثمانية، للسلطان سليمان القانوني وجيشه، ووصفهم بـ “الأسود الضاري” التي تتربص بحدود أوروبا. هذا النوع من الخطاب عزز الخوف والرعب من “الخطر التركي” في المخيال الأوروبي.
“الخطر التركي” كأداة سياسية
لم يكن الحديث عن “الخطر التركي” مجرد تعبير عن القلق الأمني. بل استخدمته أسرة هابسبورغ كأداة سياسية لتعزيز نفوذها وتبرير تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى. فمن خلال تصوير العثمانيين كتهديد مشترك، تمكنت هابسبورغ من حشد الدعم وتجميع التحالفات لمواجهة هذا “العدو” المشترك.
علاوة على ذلك، لعبت الحروب العثمانية النمساوية – التي استمرت لعدة قرون – دورًا كبيرًا في ترسيخ الصورة النمطية السلبية عن الأتراك. فقد ساهمت هذه الحروب في تعميق الانقسامات الدينية والثقافية، وتأجيج المشاعر المعادية للأتراك في جميع أنحاء أوروبا. هذه الصورة النمطية أثرت على العلاقات الثقافية والسياسية بين أوروبا والعالم الإسلامي لقرون.
ويضيف الكاتب أن هذه الحروب لم تقتصر على البعد العسكري والسياسي، بل امتدت لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فقد أدت إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل التجارة، وتفاقم المشاكل الاجتماعية في المناطق المتضررة، ما ساهم في زيادة حدة العداء تجاه العثمانيين.
الإرث المستمر للإسلاموفوبيا والعداء لتركيا
يختم الكاتب بالإشارة إلى أن جذور الإسلاموفوبيا والعداء لتركيا، كما تشكلت في تلك الحقبة التاريخية، لا تزال قائمة حتى اليوم. ويتجلى ذلك في العديد من الأشكال، مثل الخطاب التحريضي في وسائل الإعلام، والتمييز ضد المسلمين في مجال العمل والإسكان، والقيود المفروضة على ممارسة الشعائر الدينية.
وحسب المقال، فإن هذه الظواهر ليست مجرد انعكاس للعقيدة الدينية أو الخلافات السياسية، بل هي نتيجة طبيعية لتاريخ طويل من الصراع والعداء. ويتوقع الكاتب استمرار هذه التحديات في المستقبل ما لم تبذل جهود حقيقية لتعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات والحضارات المختلفة. من المراقب أن نراقب التطورات السياسية في أوروبا ومواقف الحكومات تجاه تركيا والقضايا المتعلقة بالإسلام.













