أعلنت كينشاسا وبرازافيل في يناير 2025 عن إعادة إحياء مشروع الجسر الذي يربط العاصمتين الكونغوليتين، وهو مشروع طال انتظاره يهدف إلى تسهيل حركة التجارة والأفراد. يُعد هذا الجسر الكونغو خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الثنائي وتجاوز عقود من العزلة البرية بين أكبر مدينتين متجاورتين في أفريقيا. ويأتي هذا الإعلان بعد سنوات من التأخير بسبب تحديات التمويل والظروف العالمية.
ويُنظر إلى هذا القرار على أنه بداية جديدة للعلاقات بين البلدين، حيث يهدف إلى فتح آفاق جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر المشروع جزءًا لا يتجزأ من خطط الربط الإقليمي الأوسع نطاقًا، بما في ذلك ممر لاغوس-مومباسا. ومن المتوقع أن يساهم الجسر في زيادة حجم التبادل التجاري وتقليل تكاليف النقل بشكل كبير.
طموحات سياسية ورمزية لمشروع الجسر الكونغو
أكدت رئيسة وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية، جوديث سمينوا، أن المشروع يمثل أولوية في برنامجها الحكومي، مشيرة إلى أنه ليس مجرد مشروع بنية تحتية، بل هو رمز للوحدة والتكامل بين الشعبين الكونغوليين. وقد تم تشكيل فريق عمل متخصص يتولى إعداد تقرير شامل يتضمن تفاصيل المسؤوليات والجدول الزمني والميزانية المتوقعة خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
وفي المقابل، يرى المسؤولون في جمهورية الكونغو أن الجسر سيكون بمثابة “حجر الزاوية” للتكامل الإقليمي، متجاوزًا البنية التحتية المادية ليعكس إرادة سياسية حقيقية في تجاوز الخلافات التاريخية وتعزيز التعاون المشترك. ويؤكدون على أهمية المشروع في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
تحديات تقنية ومالية تواجه بناء الجسر
على الرغم من الحماس السياسي الكبير، يواجه المشروع تحديات لوجستية وهندسية معقدة، نظرًا لخصائص نهر الكونغو المتغيرة وظروفه الهيدرولوجية الصعبة. ويحتاج بناء الجسر إلى دراسة متأنية لضمان سلامته وقدرته على تحمل الظروف المناخية القاسية. بالإضافة إلى ذلك، تكمن صعوبة في الجمع بين الطريق والسكك الحديدية في هيكل واحد.
أما فيما يتعلق بالتمويل، فقد ارتفعت التكلفة التقديرية للمشروع إلى 1.9 مليار دولار أمريكي. ويعتمد التمويل على مزيج من القروض متعددة الأطراف، والمساهمات الحكومية، والاستثمارات الخاصة. وتدرس الأطراف المعنية إمكانية إصدار سندات خضراء لتمويل المشروع، مع التركيز على استخدام مواد صديقة للبيئة وتعويض الانبعاثات الكربونية.
توفير فرص العمل وتعزيز الاقتصاد المحلي
من المتوقع أن يوفر مشروع الجسر ما يقرب من 3000 فرصة عمل مباشرة، مع تخصيص نسبة 70% منها للعمالة المحلية. وسيتم إطلاق برامج تدريبية متخصصة للشباب في مجال الهندسة المدنية وغيرها من التخصصات ذات الصلة لضمان استفادتهم من المشروع وتطوير مهاراتهم. يُتوقع أيضًا أن يعزز المشروع من النمو الاقتصادي في المناطق المحيطة بمسار الجسر، فضلاً عن تنشيط قطاعات التجارة والاستثمار.
أبعاد إقليمية واستراتيجية للمشروع
يمثل مشروع الجسر الكونغو جزءًا هامًا من ممر لاغوس-مومباسا، الذي يهدف إلى ربط سواحل غرب وشرق أفريقيا بشبكة طرق ولوجستيات متطورة. ويعتبر هذا الممر الحيوي بمثابة شريان رئيسي للتجارة بين دول المنطقة، مما يعزز التكامل الإقليمي ويدعم التنمية الاقتصادية المستدامة. وتتوقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا الوسطى أن يُحدث الجسر ثورة في حركة التجارة البينية.
وتراهن جمهورية الكونغو على أن الجسر سيجذب استثمارات إضافية إلى ميناء بوانت-نوار، مما يعزز دوره كميناء إقليمي رئيسي. وتشير التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين كينشاسا وبرازافيل سيتضاعف خلال السنوات الخمس الأولى من تشغيل الجسر. ويعتبر هذا المشروع بمثابة نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
آفاق مستقبلية ومراحل التنفيذ
إذا سارت الأمور وفقًا للخطة الموضوعة، فمن المتوقع أن تبدأ أعمال البناء في منتصف عام 2026، وأن يتم افتتاح الجسر رسميًا في عام 2030. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاوف بشأن الالتزام بالجدول الزمني المحدد، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والمالية المحتملة. وتشمل الخطوات التالية الحصول على الموافقات النهائية، وتأمين التمويل اللازم، وإطلاق المناقصات لاختيار الشركات المنفذة. ويجب مراقبة التقدم المحرز في هذه المجالات عن كثب لضمان نجاح المشروع.
ويُعد هذا المشروع طموحًا، ولكنه يحمل في طياته إمكانات هائلة لتحويل منطقة الكونغو إلى مركز اقتصادي مزدهر. وسيكون من الضروري تنسيق الجهود بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الإقليمية والقطاع الخاص، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.













