من “غزة مونامور” إلى “كان يا ما كان في غزة”، يواصل الأخوان عرب وطرزان ناصر تقديم روايات سينمائية تركز على الإنسان الفلسطيني، وتضع الأحداث السياسية في خلفية المشهد. فيلمهما الأخير، “كان يا ما كان في غزة”، المشارك في مهرجان القاهرة السينمائي، يسلط الضوء على حياة الشباب في قطاع غزة المحاصر، ويقدم صورة واقعية لتحدياتهم وآمالهم، مع التركيز على تأثير الحصار على حياتهم اليومية.
الفيلم، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان كان، يروي قصة يحيى، وهو طالب جامعي يجد نفسه مضطراً إلى الانخراط في الاتجار بالمخدرات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. يمثل الفيلم، وفقاً للأخوين ناصر، امتداداً لعملهما السابق “غزة مونامور” من حيث الاعتماد على شخصيات حقيقية وتصوير معاناتهم اليومية.
تأثير الحصار على الشباب الفلسطيني
يركز “كان يا ما كان في غزة” على فترة بداية فرض الحصار على القطاع في عام 2007، بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية. يوضح الأخوان ناصر أن الفيلم يهدف إلى إظهار كيف تحولت غزة إلى “سجن حقيقي” نتيجة لهذا الحصار، وكيف أثر ذلك على حياة الشباب بشكل خاص.
ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة
يصور الفيلم الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي يعيشها الشباب في غزة، والتي تدفعهم إلى اتخاذ قرارات يائسة. يحيى، بطل الفيلم، يمثل نموذجاً للشباب الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل، واضطروا إلى البحث عن طرق غير قانونية للبقاء على قيد الحياة. يؤكد الأخوان ناصر أن الفيلم لا يهدف إلى تبرير هذه الأفعال، بل إلى فهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى ذلك.
السينما كأداة لتوثيق الواقع
يرى الأخوان ناصر أن السينما هي أداة قوية لتوثيق الواقع الفلسطيني، وإيصال أصواتهم إلى العالم. يهدفان من خلال أفلامهما إلى تقديم صورة إنسانية للفلسطينيين، بعيداً عن الصور النمطية التي تروجها وسائل الإعلام. ويؤكدان أن جوهر اهتمامهما في السينما هو الإنسان أولاً، بغض النظر عن أي انتماءات سياسية أو دينية.
الفيلم وتصوير الحياة في غزة
على الرغم من أن الفيلم تدور أحداثه في عام 2007، إلا أنه لا يزال يعكس واقعاً مأساوياً يعيشه الفلسطينيون في غزة حتى اليوم. يشير الأخوان ناصر إلى أن غزة اليوم مدمرة بنسبة 90%، لكن الحياة في عام 2007، على الرغم من قسوتها، كانت تتيح قدراً من الحركة ومحاولات خلق فرص للبقاء. الوضع الإنساني في غزة لا يزال يتدهور، والحصار المستمر يزيد من معاناة السكان.
ويضيفان أن المعاناة الفلسطينية ليست حديثة العهد، بل ممتدة منذ عام 1948، لكن غزة دخلت منعطفاً مختلفاً منذ عام 2007 مع فرض الحصار وبناء ما يصفونه بـ “الجدار الذكي” الذي يكرس فكرة السجن الكامل.
أشار الأخوان ناصر إلى أنهما توقفا عن العمل على الفيلم لمدة خمسة أشهر بعد اندلاع الأحداث الأخيرة في أكتوبر 2023، لكنهما قررا العودة إلى إكماله، مؤكدين أن الفيلم يهدف إلى تقديم جزء من الحكايات والمعاناة الفلسطينية، وتذكير العالم بأن وراء كل رقم في الإحصائيات حياة كاملة تستحق الكرامة.
ردود الفعل والانعكاسات
حظي الفيلم باستقبال جيد في مهرجان القاهرة السينمائي، حيث أشاد النقاد والجمهور بقدرته على تصوير الواقع الفلسطيني بصدق وأمانة. يعتبر عرض الفيلم في مصر، التي تحتضن صناعة السينما العربية، خطوة مهمة لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية. السينما الفلسطينية تسعى دائماً إلى إيجاد مكان لها في المحافل الدولية، وتقديم أعمال فنية تعكس هويتها وتاريخها.
يتناول الفيلم أيضاً قضية انتشار المخدرات في غزة، والتي يرى الأخوان ناصر أنها نتيجة للظروف القاسية التي يعيشها الشباب. ويؤكدان أن الفيلم لا يهدف إلى إلقاء اللوم على أحد، بل إلى فهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانخراط في هذه الأنشطة غير القانونية.
من المتوقع أن يستمر عرض الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم، مما سيساهم في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني. سيتم أيضاً توزيع الفيلم تجارياً في بعض الدول العربية والأجنبية، مما سيمنحه فرصة للوصول إلى جمهور أوسع. يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد طرق لضمان وصول الفيلم إلى الجمهور الفلسطيني في غزة، الذي يعاني من صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتوى الثقافي والفني.













