تواصل المأساة الإنسانية في السودان تدهورها بشكل غير مسبوق، حيث وصلت الأوضاع إلى مرحلة خطيرة يصعب تصورها، وهو ما يظهر بوضوح في المشاهد المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي. وتزايد انتشار المعلومات المضللة والصور المفبركة المتعلقة بالأزمة في السودان، مما يعيق جهود التوعية ويثير التعاطف بشكل غير مبرر، خاصةً مع تداول صور لأطفال يُزعم أنها توثق المعاناة الحالية، بينما هي في الواقع قديمة أو مُنتجة بالذكاء الاصطناعي. هذا التضليل يؤثر على فهم الرأي العام للأزمة الإنسانية في السودان.
وأظهرت الصور والفيديوهات على المنصات حجم الكارثة الإنسانية التي خلفت نحو 13 مليون نازح، مما جعلها تتصدر قائمة أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث. إلا أن بعض الحسابات تستغل تلك المواد البصرية، خاصة المرتبطة بالأطفال، من أجل إثارة التعاطف وجمع آلاف المشاهدات، دون التحقق من صحتها. هذا الاستغلال يضر بجهود الإغاثة الحقيقية ويشوه صورة الوضع على الأرض.
التحقق من صحة الادعاءات المتعلقة بالأزمة في السودان
يتعلق أحد الادعاءات بصورة قيل إنها تظهر طفلاً سودانياً يحمل محلولاً طبياً لوالدته المريضة، وزعم ناشطون أنها التقطت حديثاً وتعكس انهيار الوضع الطبي، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها الفاشر عاصمة شمال دارفور.
وبالبحث، توصل فريق التحقق إلى أن الصورة ليست حديثة ولا علاقة لها بالسودان، إذ ظهرت نسخة مطابقة لها في أرشيف وكالة “غيتي”، وتبين أنها تعود لطفل من رواندا عام 1994، وهو يحمل كيس محلول وريدي لسيدة مصابة بالكوليرا.
ويتعلق ادعاء آخر بمقطع فيديو زعم ناشطون عبر منصة “إكس” أنه يعود لطفل سوداني يناشد العالم لإنقاذ والدته التي لا تستطيع القيام لأنها جائعة. وبالتحقق، تبين أن الفيديو مُولد بالذكاء الاصطناعي وليس حقيقياً، حيث ظهر عليه شعار أداة لإنشاء مقاطع الفيديو.
تداول صور قديمة على أنها حديثة
كما انتشرت صورة أخرى زعمت حسابات على “إنستغرام” و”إكس” أنها لطفلين سودانيين يبكيان بسبب المجاعة وتداعيات الحرب. وبعد التحقق، تبين أن الصورة مرتبطة بأحداث القتال في شرق الكونغو عام 2008، وليست مرتبطة بالأزمة الحالية في السودان.
هذه الحالات ليست منعزلة، إذ تشير التقارير إلى تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء صور ومقاطع فيديو مضللة تهدف إلى استغلال الأزمات الإنسانية.
تأثير المعلومات المضللة على الأزمة الإنسانية في السودان
إن انتشار المعلومات المضللة والصور المفبركة المتعلقة بالأزمة في السودان له آثار سلبية متعددة. فهو يقلل من مصداقية التقارير الإخبارية ويصعب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والخيال. كما أنه يعيق جهود الإغاثة الإنسانية من خلال تشتيت الانتباه عن الاحتياجات الحقيقية للمتضررين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التضليل إلى تأجيج المشاعر وزيادة التوتر بين الأطراف المتنازعة. لذلك، من الضروري التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها والتأكد من الاعتماد على مصادر موثوقة.
أهمية التحقق من المصادر
يجب على المستخدمين توخي الحذر عند تداول المعلومات المتعلقة بالأزمة في السودان، والتحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو قبل مشاركتها. يمكن الاستعانة بأدوات التحقق من الحقائق والمواقع المتخصصة في مكافحة التضليل.
كما يجب الاعتماد على المصادر الإخبارية الموثوقة والمنظمات الإنسانية العاملة على الأرض للحصول على معلومات دقيقة ومحدثة.
المستقبل وما يجب مراقبته
من المتوقع أن يستمر انتشار المعلومات المضللة المتعلقة بالأزمة في السودان في ظل استمرار الصراع وتدهور الأوضاع الإنسانية. من الضروري تكثيف جهود مكافحة التضليل وتوعية الجمهور بأهمية التحقق من المعلومات.
كما يجب على المنصات الرقمية تحمل مسؤوليتها في إزالة المحتوى المضلل واتخاذ إجراءات ضد الحسابات التي تنشر معلومات كاذبة. من المتوقع أن تصدر الأمم المتحدة تقريراً مفصلاً عن الوضع الإنساني في السودان بحلول نهاية العام الحالي، وسيكون هذا التقرير مرجعاً هاماً لتقييم الاحتياجات وتحديد أولويات الإغاثة.













