يشهد قطاع الحرف اليدوية في المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا، ويتجلى ذلك بوضوح في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان” الذي تنظمه هيئة التراث. لم يقتصر الحدث على عرض التنوع الإبداعي للحرف التقليدية، بل سلط الضوء بشكل خاص على الدور القيادي المتزايد للمرأة في هذا المجال الحيوي. وتُظهر البيانات أن الحرفيات السعوديات يشكلن الغالبية العظمى من العاملين في القطاع، مما يعكس تمكينًا اقتصاديًا وثقافيًا متناميًا.
انطلقت فعاليات “بنان” في الرياض في نوفمبر 2025، واستمرت لعدة أيام، بمشاركة واسعة من الحرفيين والحرفيات من مختلف مناطق المملكة. يهدف المعرض إلى دعم وتعزيز الحرف اليدوية السعودية، وتسويق منتجاتها محليًا ودوليًا، بالإضافة إلى الحفاظ على هذا الإرث الثقافي للأجيال القادمة. وقد شهدت الدورة الأخيرة إقبالًا كبيرًا من الزوار والمهتمين.
صعود الحرفيات السعوديات: واقع رقمي متنامي
تُظهر الإحصاءات الصادرة عن منصة “أبدِع” – وهي منصة حصر وتسجيل الحرفيين المرخصين في المملكة – أن النساء يمثلن أكثر من 75% من إجمالي الحرفيين السعوديين. فبحسب بيانات عام 2025، يبلغ عدد الحرفيين السعوديين المسجلين 5025 حرفيًا، منهم 3835 امرأة و 1190 رجلًا فقط. هذه النسبة تعكس تحولًا كبيرًا في المشهد الحرفي، وتؤكد على المساهمة الفعالة للمرأة في هذا القطاع.
توزيع الحرفيات بين المناطق
لا يقتصر هذا الحضور النسائي القوي على منطقة معينة، بل يمتد ليشمل مختلف مناطق المملكة. تتصدر الرياض قائمة المناطق من حيث عدد الحرفيين بـ 995 حرفيًا، تليها مكة المكرمة بـ 872، ثم المدينة المنورة بـ 534، والمنطقة الشرقية بـ 418. وتشير البيانات إلى وجود قاعدة عريضة من الممارسات الحرفية في بقية المناطق أيضًا.
يعزى هذا الانتشار الواسع للحرفيات إلى عدة عوامل، منها سهولة الوصول إلى التدريب والتأهيل، والدعم الذي تقدمه هيئة التراث والجهات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية الحرف اليدوية كجزء من الهوية الثقافية الوطنية. كما أن الحرف اليدوية توفر فرصة عمل مرنة ومناسبة للنساء، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
لم تعد الحرف اليدوية مجرد هواية أو تقليد عائلي، بل تحولت إلى مصدر دخل حقيقي ووسيلة للتمكين الاقتصادي. فالحرفيات السعوديات يبتكرن تصاميم جديدة، ويستخدمن مواد خام محلية، ويسوقن منتجاتهن بفاعلية، مما يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستدامة.
في “بنان”، تتاح للحرفيات فرصة لعرض أعمالهن أمام جمهور واسع، والتواصل مع المشترين المحتملين، وتبادل الخبرات مع زميلاتهن. كما يمكنهن الاستفادة من ورش العمل والندوات التي تنظم على هامش المعرض، لتطوير مهاراتهن ومعرفتهن.
وتشمل الحرف التي تشتهر بها النساء السعوديات السدو، والنسيج، والتطريز، والمشغولات النخلية، والحرف الورقية، وصناعة الفخار، وغيرها الكثير. هذه الحرف تعكس التراث الثقافي الغني للمملكة، وتتميز بالجودة العالية والإبداع.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم “بنان” في تعزيز السياحة الثقافية في المملكة، من خلال جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم للاطلاع على الحرف اليدوية السعودية. وهذا بدوره يعزز مكانة المملكة كوجهة سياحية متميزة.
وتشير التوقعات إلى استمرار نمو قطاع الحرف اليدوية في المملكة، وزيادة مشاركة المرأة فيه. ومن المتوقع أن تشهد الدورة القادمة من “بنان” المزيد من الحرفيات المشاركات، والمزيد من المنتجات المبتكرة، والمزيد من الفرص الاقتصادية. وتعتبر صناعة الاقتصاد الإبداعي من القطاعات الواعدة في المملكة، ومن المتوقع أن تشهد تطورًا سريعًا في السنوات القادمة.
في الختام، يمثل “بنان” منصة حيوية لتعزيز الحرف اليدوية السعودية، وتمكين الحرفيات، والحفاظ على التراث الثقافي. ومن المقرر أن تعلن هيئة التراث عن تفاصيل الدورة القادمة من المعرض في بداية عام 2026، مع التركيز على تطوير البنية التحتية للقطاع، وتوفير المزيد من الدعم للحرفيين والحرفيات. ويجب متابعة التطورات المتعلقة ببرامج الدعم والتمويل التي تقدمها الحكومة، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه القطاع، مثل المنافسة من المنتجات المستوردة، والحاجة إلى تطوير مهارات التسويق.













